رسائل في كل اتجاه

ت + ت - الحجم الطبيعي

حازت زيارة الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني إلى الأمم المتحدة لحضور الجمعية العامة للمنظمة الدولية، وهي الأولى له إلى محفل دولي، الكثير من الاهتمام، وارتفع سقف توقعاتها إلى حد تحقيق اختراق سياسي مع أعتى دولة معادية له.

خطاب روحاني، أمام الدورة 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تجمع في أروقتها رؤساء عشرات الدول، أعداء طهران منهم أكثر من الأصدقاء، كان له صدى في اتجاهات عدة.

والأهم في كل ما أثير، كان من الصحف الإيرانية التي تلقّت الخطاب بترحيب، ورأت فيه فرصة تاريخية لجسْر حالة عدم الثقة مع الولايات المتحدة، التي كان رئيسها باراك أوباما أدلى أمام المحفل ذاته بخطاب أكثر هدوءاً من المعتاد في هذا الملف، الذي أرخى بظلال التوتر والتشنّج على المنطقة والعلاقات الدولية لأعوام.

أما رد الفعل الأبرز الذي تلقّف النبرة الرئاسية الإيرانية فكان من إسرائيل، التي رأت في «النعومة الروحانية» مراوغة. فالهدوء الذي ألقى به روحاني خطابه، يختلف عن ذاك التشنّج والتحدي الذي كان ينتهجه سلفه محمود أحمدي نجاد.

وبالتالي يهدد بتغيير الصورة التي تسوّقها إسرائيل وارتسمت على مر عقود عن إيران وبرنامجها النووي. لكن هذا الاندفاع للتهدئة وفتح صفحة جديدة نحو الولايات المتحدة "العدو"، لم يقابله اندفاع نحو تهدئة مخاوف الجيران.. فإقحام اسم البحرين في الجزئية الخاصة بسوريا، لم يكن له مبرّر سوى إصرار على التأزيم والتدخل في شؤون دول المنطقة.

وهذا يدل على أنّ إيران لا تزال مطالبة بتقديم المزيد من خطوات بناء الثقة، تجاه جيرانها على الضفة الغربية من الخليج العربي. لا شكّ أن العقوبات الدولية التي تطارد ملف إيران النووي وتحاصر طموحها لنيل عضوية نادي الدول النووية، دفعت بهذا الملف وما يرتبط به من ملفات تتعلّق بالعلاقات الإيرانية الأميركية والإيرانية الأوروبية..

والتي آتت أكلها وتمكن روحاني من تحقيق نقاط عبر اللقاء مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، واللقاء بين وزيري الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والبريطاني وليام هيغ.. كما «دحرج» روحاني الكرة نحو إسرائيل وقيادتها، بالتصريح التصالحي الذي يعتبر الهولوكوست الألمانية النازية جريمة حرب، في إنعطافة كبرى عن المعتاد في فقه وقاموس المصطلحات السياسية الإيرانية.

لغة إيجابية في كل اتجاه، لغة إيجابية عابرة للقارات.. لكنها لم تستطع أن تعبر الـ370 كيلومتراً التي تفصل بين شاطئي الخليج. وكأنّ هناك إصراراً على الإبقاء على حالة التوجس والريبة، رغم التأكيدات الخليجية المتوالية عن الرغبة في حسن الجوار مع إيران، ولكن عبر علاقة تبادلية متوازنة.

وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى اللفتة البحرينية التي رافقت اجتماع وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة مع نظيره الإيراني، والتي كانت فيها إعادة التأكيد على النهج الخليجي في العلاقات المرتكز إلى الاحترام، المتبادل بالطبع، والقائم على ضرورة إبداء الآخر نوايا حسن الجوار.. وهو ما لم ينجح حسن روحاني في توصيله، كما نحج في توصيل ما يريد إلى الغرب البعيد.

Email