«أم الصفقات»

ت + ت - الحجم الطبيعي

 بات الرابح فقط بشار الأسد وإسرائيل على حد سواء، ما يؤشر إلى منطق المهمات المحددة لكل طرف في إطار لعبة الأمم المقيتة.

الصفقة تنص على تقديم قائمة بالأسلحة الكيماوية السورية قبل السبت المقبل، وانتشار المفتشين الدوليين في موعد أقصاه نوفمبر المقبل، للتحقق من المعلومات وتدمير البنية التحتية لهذه الأسلحة من معدات إنتاج وتعبئة، إلى جانب موافقة الدبلوماسية الروسية، التي بدت أكثر براعة خلال هذه الأزمة، على قبول اللجوء إلى مجلس الأمن لإصدار قرار بموجب الفصل السابع في حال عدم التزام النظام السوري.

إضافة إلى تحديد موعد للتخلص من هذه الأسلحة بشكل كلي في النصف الأول من العام المقبل، وهو موعد يحمل مصادفة مريبة هي انتهاء ولاية بشار الأسد في 17 يوليو 2014.

وللتذكير فقط، لطالما أصر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كل المداولات والمفاوضات مع الإدارة الأميركية، سواء فوق أم تحت الطاولة، على استثناء أي بند في أي صفقة يتضمن رحيل الأسد، والإصرار على بقائه حتى انتهاء ولايته، وها هي الصفقة الأخيرة بإمضاء لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، تتضمن هذا البند بشكل غير مباشر.

هنالك خيط عجيب يقود الخطى في رحلة اختلاط الاتجاهات هذه منذ بداية الأزمة، يفسر تماماً هذا الارتباك والتردد في الموقف الأميركي تجاه المأساة المتفجرة في سوريا، هي ببساطة كالآتي..

الحرب الداخلية استنزفت سوريا تماماً: دمرت البنية التحتية، ومعها كل مرافق الاقتصاد، أشاعت فوضى أمنية عارمة سمحت بتسلل كل المتطرفين إلى البلاد وتنظيم صفوفهم، على نحو فرض واقعا جديدا في سوريا تم على أساسه تفتيت البنية الاجتماعية بين طوائف ومذاهب وأعراق، بشكل يستعصي في المدى المنظور على التعايش. ما بقي إلى - حد ما - قائماً بذاته وقوياً، هو تلك البنية العسكرية النخبوية التي قضى النظام السوري جل وقته وثروات بلاده في تجهيزها، وبالتالي لا بد من استهدافها بعد استنزافها.

هنا يجدر الانتباه إلى تكتيك الدعم العسكري الغربي للمعارضة السورية، التي طالما جوبهت باعتراضات عربية مبدئية سعت جاهدة لتخليصها من الحسابات المشبوهة، فمراوغات الدول الكبرى ومماطلاتها في مد المعارضة بالأسلحة النوعية الكفيلة بتغيير موازين القوة على الأرض، ضمنت لهذه المخططات حرباً داخلية استنزافية طويلة الأمد، في إطارها يصار إلى توفير مقومات التفتت الداخلي، حتى إذا حان الموعد أتت لحظة الضربة الحاسمة للقضاء على البنية التحتية العسكرية السورية برمتها.

إذن، هل هي مصادفة أن يطير كيري إلى إسرائيل فور إبرام الصفقة الأخيرة مع لافروف، حتى قبل إبلاغ شركائه الأوروبيين بتفاصيلها؟ لا شك أن آخر مهمات بشار هي الإطاحة بالأسلحة الكيماوية، قبل الجيش وسوريا بعمومها.

Email