التردد الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قلما فشل رئيس أميركي في نيل تأييد قاعدته الحزبية، عدا حتى عن دعم خصومه، في قضية خارجية تهدد الأمن القومي الأميركي، مثلما فعلت الإدارة الأميركية الحالية بترددها تجاه أزمة استخدام السلاح الكيماوي في سوريا.

فحينما توجه الرئيس الأسبق جورج بوش إلى مواطنيه بالقول إن بلادهم مهددة وعليها أن تخوض حرب العراق في 2003، رغم مرور عام ونصف فقط على حرب أفغانستان ومأساة هجمات سبتمبر، كانت نسبة التأييد تفوق 60 في المئة، ولم يتحدث أحد عن تململ الأميركيين من الحرب ومناظر الدماء. وحينما ضرب الرئيس الراحل رونالد ريغان باب العزيزية العام 1986، حاز على نسبة مشابهة، ولم يأت أحد على ذكر التعب الذي أصاب الأميركيين من حرب فيتنام التي كانت وضعت أوزارها قبل ذلك بأحد عشر عاماً.

تلك هي الفترة نفسها التي ستفصل بين المثل العراقي والضربة المفترضة ضد النظام السوري، سوى أن الهجوم على معقل معمر القذافي حينها كان بسبب تفجير في ملهى ليلي، بينما تكشف الحالة السورية عن 1429 قتيلاً بهجومٍ كيماوي.

وأن يخرج وزير خارجية أميركي، في معرض تبرير الضربة، ليقول لمواطنيه بأنه يعلم أنهم منهكون من الحروب المتتابعة، كما فعل جون كيري، فهذا خطأ تكتيكي صدر عن رئيس دبلوماسية واشنطن، اللهم إلا إذا كان يرمي إلى إعطاء نتيجة عكسية للتبرير.

وأن يكرر الرئيس أوباما لازمة أن سوريا ليست العراق أو أفغانستان كل مرة، في سياق أنه يريد إقناع الرأي العام الداخلي، فقد يعطي معنى يمكن أن يفسر في سياق تمترسه وراء حالة تردد صبغت سياساته الخارجية.

ومن هنا، يمكن فهم سبب وقوف أميركيين ضد الضربة في استطلاعات الرأي، وهم الذين عرف عنهم تقليدياً وقوفهم وراء رئيسهم في الملفات التي تهدد الأمن القومي، بل وحتى تلك التي تستوجب تدخلاً عسكرياً إنسانياً كما في سوريا. وعليه، يمكن رد ذلك الضخ الإعلامي إلى الرغبة في إقناعهم بالانكفاء نحو الداخل وسحب بلادهم من الدور الريادي الذي يحتم عليها واجبات سياسية.

والحال، أن العالم سيحتاج إلى ثلاثة أعوام ليبدأ تغيير السياسات التي صاغتها إدارة الحزب الديمقراطي منذ 2008، فيما يبدو أن هناك نزعة انعزالية مشابهة بدأت تنتشر في أوساط الحزب الجمهوري، خاصة مع ازدياد شعبية جناح حزب الشاي. وعليه، ثمة حاجة ماسة لإعادة النظر بنظام المجمع الانتخابي، بحيث يتخلص من الشوائب التي طبعته على مدى مسيرته ويترك الأفضلية للاختيار الشعبي من دون أي توجيه.

Email