بين بوش وأوباما

ت + ت - الحجم الطبيعي

معظم الانتقادات الموجهة إلى حقبة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، والتي أتى جلها من يسار مدن الساحل الأميركي الشرقية والغربية، صورته على أنه شخص ريفي أخرق جاهل ومتعصب. ما لبثت الحملة أن نجحت تدريجياً في توجيه الرأي العالم العالمي نحو شيطنة الإدارة الجمهورية، وعذرها حرب العراق، بعد أن توحد إعلام اليسار ورموزه في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تجاه هذا الهدف.

حينما هاجم صدام حسين حلبجة بالسلاح الكيماوي، لم تتحرك واشنطن ضده لأنها توهمت أنه لا يشكل خطراً على أمن المنطقة، التي دفعت بعد عامين الثمن حينما غزا الكويت. واكتفى الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون بعد ذلك، بوخز صدام ببضعة صواريخ «توماهوك» في ثلاث مناسبات طيلة ولايتيه.

وقبل خمسة عشر عاماً، وجه كلينتون نفسه ضربات صاروخية «مسرحية» إلى السودان وأفغانستان، رداً على تفجير السفارتين في كينيا وتنزانيا. ولم يردع هذا بطبيعة الحال أسامة بن لادن بعد ثلاثة أعوام، عن تنفيذ هجمات 11 سبتمبر.

واليوم، يُخشى أن ديمقراطيي باراك أوباما يتعاملون مع بشار الأسد بنفس المنطق الذي كان يواجه به زملاؤهم في عهد كلينتون، الدكتاتور العراقي وزعيم تنظيم القاعدة، بالتعامل مع القضايا الملحة من منطلق «التكتيك» وليس «الاستراتيجية». في الواقع، لا يوجد خيار جيد في الحرب. ولكن من المؤكد أن بوش وازن بين مخاطر التدخل، ومخاطر عدم اجتثاث المشكلة في العراق من جذورها.

ورغم انتشار الفساد والتفجيرات والاحتقان الطائفي وترنح الديمقراطية، وإن كان كل ذلك تركة ثقيلة من العهود السابقة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: كم روحاً كانت ستزهق لو بقي صدام في السلطة، سواء بالسلاح التقليدي أو الكيماوي؟ وكم حرباً كان شنها على جيرانه خلال العقد الماضي؟

إن التردد غير المقبول الذي طبع سياسة أوباما حيال المأساة السورية، يطرح إشارات استفهام عديدة في محاولة لفهم هذا التخاذل تجاه استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ضد شعبه، إلى درجة أضحى معها الوضع السوري أسوأ بكثير مما حصل في رواندا، حتى باتت سوريا تسمى «رواندا أوباما».

كما كانت الدولة الإفريقية وصمة عار سلفه كلينتون. فلو تدخل الرئيس الأميركي قبل عام، لما وصلنا إلى عتبة الكيماوي أو تمدد نفوذ المتشددين، بل لما أصبح تحت هذا الضغط الهائل بوجوب الرد عسكرياً على محرقة الغوطة، حتى بات هو الآخر مثاراً للتندر.

ويكاد المرء يجزم بأن فلاديمير بوتين وربيبه الأسد يضحكان اليوم ملء شدقيهما، بسبب هوس أوباما بالقيادة من الخلف وقفزه من مقطورة الزعامة.

قد يكون ثمن إقامة نظام ديمقراطي في سوريا باهظاً، ولكن ثمن عدم إقامته سيكون أكبر بكثير. ويخشى هنا، أن ينتهي الأمن والسلم الدوليان، حينما تطوى صفحة ولاية أوباما في 2016، إلى مشهدٍ أسوأ بأشواط مما كانا عليه في 2008 حينما بدأت ولايته.

Email