سوريا شهيدة.. سوريا حرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مثل هذه الأيام قبل 69 عاماً، دخل الجنرال شارل ديغول إلى باريس بعد تحريرها من نظام فيشي العميل لألمانيا النازية، وألقى خطاباً مشهوراً استهله بعبارة: باريس!.. باريس مذلولة!.. باريس مكسورة!.. باريس شهيدة! لكن الآن تحررت باريس!.. حررت نفسها.

واليوم، والشعب السوري يواجه نظاماً ينضح توحشاً وطائفيةً، وفيما يقترب أكثر فأكثر موعد الضربة الجوية التي يتوقع أن توجهها دول غربية إلى أذرع بشار الأسد العسكرية، يستذكر كثير من السوريين تلك الجملة دون غضاضة وكأن التاريخ يعيد نفسه. خلّدت فرنسا اسم الجنرال ديغول كرمزٍ للوطنية والمقاومة، ولم تنعته بصفة الخائن والمتآمر.

وهو الذي اتخذ من لندن مقراً لحكومة فرنسا الحرة، وأطلق عبر موجات إذاعة «بي بي سي» في 1940 نداءً لمقاومة الاحتلال النازي، دون أن يشكل عداء بريطانيا التاريخي لفرنسا حرجاً بالنسبة إليه أو للمقاومة الفرنسية السرية. وكما ديغول، وجدت رموز المعارضة السورية في عواصم دول الجوار موطئاً لها يحميها من بطش الأسد، فيما يتلقى الجيش الحر على الأرض دعماً من الغيورين على الثورة من الذين يناصبون العداء لنظامه، تماماً مثلما كانت بريطانيا تناصب العداء لأدولف هتلر.

والحال أن النظام لم يترك للسوريين إلا خيار تأييد الهجوم الأجنبي، بعد أن استنسخ لهم موبقات المستبدين وكبائرهم. فصار هناك «حلبجة 2» في غوطة دمشق، و«أوشفيتز 2» في معتقلاته المتناثرة على امتداد المحافظات، و«رواندا 2» بما يخص مأساة اللاجئين، فكان من الطبيعي أن تنتهي الأمور، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى سيناريو «كوسوفو 2» أو لربما «نورماندي 2» في المستقبل القريب.

ويبقى أن نوعية الرد على محرقة الغوطة، يجب أن تتناسب مع مقاس المجزرة الرهيبة وحجم الضخ الإعلامي والتهيئة النفسية للرأي العالم العالمي للضربة العسكرية. والخشية أن يكتفي الغرب بإرسال رسائل خجولة عبر حفنة من الصواريخ هنا وهناك، لا تساعد في إسقاط النظام أو تؤثر في ميزان القوى، فتصح فيها مقولة: تمخض الجبل فولد فأراً.

وحينها، قد يفضي الهجوم إلى نتيجة عكسية تشجع الأسد على تكرار فعلته، إن هو أدرك معادلة أن 1700 ضحية بالكيماوي لا تساوي سوى صاروخي «توماهوك» على بضع منشآت من المؤكد أنها أفرغت من مخزونها منذ أيام تحسباً، بسبب البهرجة الإعلامية التي تعمل عمل الإنذار والتنبيه بدلاً من أن تتم مباغتته.

كما تقتضي أبسط قواعد العلوم العسكرية. وعلى أية حال، وكما في فرنسا قبل سبعة عقود، ستساهم المساعدة الخارجية في نهاية المطاف في تحرير سوريا الشهيدة من الاحتلال الداخلي المأجور، وسيحاسب الشعب كل من خانوه وأجرموا في حقه على الطريقة الفرنسية، فتنطلق عدالة الشارع لتقتص من الآلاف في مآلٍ منطقي لحكمٍ حذف أتباعه كلمة الوطنية من قاموسهم منذ 1966.

 

Email