فضائل الثورة السورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من التكلفة باهظة الثمن للثورة السورية، بشرياً ومادياً، وعلى الرغم من عدم تمكنها من تغيير النظام بعد 30 شهراً على اندلاعها، إلا أن واقع الأمر يقول بنجاحها في التأسيس لمعادلاتٍ جديدة والإطاحة بأخرى سابقة اعتقدها كثيرون راسخة، لكونها شكلت جزءاً من التوازنات والتفاهمات الإقليمية والدولية منذ سبعينات القرن الماضي.

والحال أن الثورة استطاعت، في غضون عامٍ فقط، أن تسقط نموذجاً نجح حافظ الأسد وحليفته طهران بشكلٍ كبير في تسويقه إلى الرأي العام العربي طيلة العقود الثلاثة الماضية، والمتمثل بحزب الله في لبنان.

فبعد أن احتكر فعل المقاومة وأقصى الآخرين، وبقي الحزب الوحيد المسلح حتى بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب، تبين عبر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005 و«غزوة بيروت» في مايو 2008، أن ذلك لم يكن سوى خدمة لمشروعٍ يطوق ويخترق سنة سوريا ولبنان، فكانت ثالثة الأثافي القاضية باشتراكه في قتل السوريين. وعليه، ما لبثت الثورة أن كشفت عورته وحقيقة أنه ليس أكثر من أداة في يد الخارج، لا تقيم وزناً لمبادئ العدل والمظلومية الحقة، بحسب ما يدعي.

والواقع، أن ذلك السقوط أتى متزامناً مع خسارته ما كان يعتقد أنه رصيد وهمي لدى الرأي العام العربي، يخص ادعاءه حمل لواء المقاومة والممانعة، التي ثبت قطعاً أنها موجهة نحو بلدات سورية ومخيمات للاجئين الفلسطينيين، دكت بالسلاح في غيرٍ مكان من سوريا.

كما سقطت أكذوبة روجها آل الأسد لدى دوائر صنع القرار الغربية، بأن نظام دمشق واحة علمانية وسط صحراء المتعصبين دينياً، لا تمانع في التنسيق أمنياً واستخباراتياً مع واشنطن لضرب «القاعدة». تفككت تلك الأراجيف بعدما أجبرت الثورة النظام السوري على الكشف، مضطراً، عن وجهه الحقيقي الطائفي، إثر استعانته بخزانه البشري الذي حوّل رأس النظام إلى ما يشبه زعيم ميليشيا، تمارس كل ما يصب في خانة الجرائم ضد الإنسانية وتقتل من يختلف معها في العقيدة.

كذلك، نجحت الثورة في إحداث فرزٍ مطلوبٍ داخل المجتمع السوري، بين غثٍ انكشفت سوءته بتفضيله مصالحه الآنية على مستقبل الوطن، وثمينٍ آثر العكس، بدون نسيان إعادة توزيع خريطة مكانة المحافظات ومكونات الشعب، ورد الاعتبار لمهمشي الريف السني، الذين لطالما كانوا موضع ازدراء الطبقة التي تمخضت عن تحالف عسكر ريف الأقليات مع انتهازيي المدن السنية الكبيرة.

وفي نهاية المطاف، وحتى مع الحديث عن فشل الثورة في اجتثاث الدولة التي أسسها آل الأسد، مستلهمين تجربتي ألمانيا هونيكر ورومانيا تشاوشيسكو، فإنها على أقل تقدير نسفت عقيدة الأسد الأب، التي حرك من خلالها سياسات دمشق الداخلية والخارجية طيلة ثلاثة عقود من حكمه، ودفنت استراتيجية وريثه، الذي سار على نفس النهج التضليلي، بعد أن خلعت عنه ورقة التوت الأخيرة.

Email