أصعب الأرقام

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أدري لم نحن مغرمون بعنونة النضال بأسماء أصحاب المشاريع المعادية من بلفور حتى برافر، لكنها محاولات توفيقية بين المعضلة الأصعب ومرحلية الصراع، على أساس قناعة راسخة بأن العصابة الحاكمة في إسرائيل مشبعة تماماً بالذهنية الخرافية، حد اليقين بأن فلسطين هي أرض بلا شعب تركها اليهود منذ آلاف السنين.

وبقيت خاوية تماماً في انتظار عودتهم من بولندا وأوكرانيا وأميركا اللاتينية ربما! وبالتالي، يستحيل احتمال قاموسها السياسي كلمة سلام مع أشباح غير معترف بوجودهم، لكن العصابة تعيش ذات الظروف الموضوعية في عالم متشابك وصغير، تتعرض كالفلسطينيين لضغوط مخططات أوسع للمنطقة، تنسج على مهل في أروقة البيت الأبيض.

هي ذي مقدمات السؤال الصعب: ماذا يفعل المفاوض الفلسطيني في بلاد العم سام؟

حقيقة لا أجد مبرراً للهجوم الشرس على الرئيس محمود عباس لقبوله العودة إلى المفاوضات، فتجريم هذه الخطوة يستدعي أولاً توفر إمكانات الفعل لدى الزعيم الفلسطيني ومحاسبته تالياً على عدم استغلاله الأمثل لهذه الإمكانات. أما أن يكون بلا أسلحة ولا أوراق تفاوضية.

ولا الحد الأدنى من الظروف الذاتية والموضوعية المواتية، ومن ثم إدانته بعدم رفض الضغوط الأميركية، فهو من قبيل المراهقة السياسية التي لا تزال لا تميز الخط الفاصل بين السياسي والمبدئي. لا أوراق لدى المفاوض الفلسطيني، ولم يكن في وسع عباس لأكثر من مرة سوى التلويح بالاستقالة أو حل السلطة الوطنية الفلسطينية.

وهو يعلم في قرارة نفسه عبثية هذه الخيارات التي لن يصغي لها أي طرف عربي أو دولي أو داخلي، في ظل "إمارة حماس" المتأهبة في قطاع غزة للاستيلاء على ما تبقى من شرعية منظمة التحرير. لا قبل لعباس ولا السلطة الفلسطينية ولا منظمة التحرير التي اختفت عناوينها من الساحات، وغامت في مؤسسات سلطة يفترض أنها تابعة لها لا العكس، لا قبل للوضع الفلسطيني بمجابهة الضغوط الأميركية.

وهكذا ذهب المفاوض الفلسطيني "المخضرم" صائب عريقات إلى بلاد العم سام، بلا أي جعبة حتى، وغير آبه بالصورة الدبلوماسية للمفاوض "الصلب"، وهو يشد على يدي ليفني برعاية كيري، ذهب أضعف مما كان عليه في كامب ديفيد وطابا، حين كان يستند إلى الحائط العربي الذي تهاوى في أتون "الربيع".

ولم يجد سنداً لظهره سوى جدار الفصل العنصري. لا تفسير لهذا النهم الأميركي لاستئناف المفاوضات، سوى أن المفاوض الفلسطيني في قاع لا شبيه له في التاريخ، ولن تتوفر فرصة مواتية مثل هذه لانتزاع ما صعب انتزاعه منه في الجولات السابقة، في ظل خروج العراق وسوريا وليبيا وتقريباً مصر من معادلة الصراع حالياً.

إذن، هي أقسى تسعة شهور في التاريخ الفلسطيني، ما لم ينتبه الفلسطينيون إلى أنهم باتوا في ساحة الوغى "شبه وحدهم"، ولا سبيل سوى التقاط "هبة برافر" وتعميمها في كل أرجاء فلسطين، فهنا تختلط الحسابات أمام أصعب الأرقام: الشعب.

Email