لحظة فارقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مركز الحدث كعهده دوماً مصر، أرض الكنانة التي تعاني مخاضاً عسيراً زادت من آلامه «حقن الطلق الصناعي» المشبوهة.

نظرة واحدة فقط على شاشات الإعلام العربي، ترى عجباً: حرب تخاض بالكلام، فتفضح زيف «الإعلام المحايد»، فطالما هناك رأي، إذاً هناك موقف ومن ورائه أجندة ما، أما حين تحرج قناة ما بشعارها «الرأي والرأي الآخر» فتضطر مثلاً إلى عرض وجهة نظر مناقضة للإخوان المسلمين، فإنها تختار بدقة جنرالاً متقاعداً يحتاج ثلاثة أيام لفهم السؤال!

لكن، وفي محاولة مستميتة للحياد، أقول: أنا أرفض تماماً أن تحكمني جماعة مثل «الإخوان»، تلبس لبوس الدين وتجهد في بحثها المضني عن السلطة كحزب سياسي، حتى إذا ما استأثرت بالحكم في غير ساحة عربية لم تأت سوى بالفوضى واللااستقرار، وتعمق الأزمة الاقتصادية وعودة مظاهر الفساد الإداري والمحسوبية (لنتذكر 17 محافظاً من 27 في مصر هم من الجماعة في أقل من سنة من الحكم)، فلا سياسة داخلية ولا خارجية البتة.. باختصار، تخبط مدعي السياسة وعشاق منافع السلطة تحت ستار التدين.

إذاً، هو نموذج حكم فاشل ينذر بتحوله إلى فاشي، وكم سمع ليبرالي أو يساري في السنوات الغابرة تهديدات إخونجية بالإعدام فور تسلم السلطة، رغم كونهما في جبهة واحدة ضد أنظمة الاستبداد، ما دفع عدداً غير قليل من اليسار إلى مكاشفة النفس بأن «الاستبداد أرحم»! ورغم ذلك فإن الممارسات الديمقراطية تفرض علي تقبل وجود آخر مختلف كالإخوان، له الحق في قول ما يريد لا فعل ما يريد، لأن القواعد نفسها تفرض قيود التوافق الاجتماعي على الفعل لا القول.

فضلاً عن ذلك، لا بد من إعادة صياغة مفاهيمنا عن الديمقراطية وتحديداً أساليبها، ففي زمن «الثورات» تنتفي التقليدية وتحل محلها مفاهيم جديدة، أهمهما أن صندوق الانتخاب ليس «شيكاً على بياض» إذا ما اقتنعنا أن الرأي العام يمكن أن يقع في فخ التضليل في ظرف ما، فضلاً عن أن وعي النخبة السياسية هو الذي يقود، بحكم الخبرة، مسيرة المجتمع لا أفراده الذين تفيد التقارير الدولية المختصة بأن غالبيتهم ما زالت في طور الأمية.

التمسك بالأساليب التقليدية للديمقراطية من قبل الإخوان، يشف عن انتهازية اقتناص الفرصة والتشبث بها حتى على حساب المصلحة العامة.

 سال الدم في مصر، وبالطبع ليس هناك وقت للإصغاء إلى مثل هذه التنظيرات، لكن الفؤاد يضطرب خشية على قلب العرب، فبعد تفتت جيشي العراق وسوريا، لم يتبق في ساحات المواجهة مع إسرائيل سوى الجيش المصري، والخوف كل الخوف من إغراقه أيضاً في مصيدة الاستنزاف الداخلي، بإمضاء "الإخوان" هذه المرة، أو ضرب عصفوري الجيش و"الإخوان" بحجر تدميري واحد.

لحظة حرجة في تاريخ مصر، تستدعي تراجع دور الجيش وتقدم الجماهير عارمة لتقول كلمتها الفصل.

Email