انتقالية لا انتقامية!

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشهد المصري أقرب إلى التوغل كل يوم في التعقيد منه إلى الانفراج. أكثر من عنصر تضافر على غير صعيد واحد، على نحو يجعل الفترة الانتقالية الحالية تبدو كأنها مرحلة انتقامية.

معسكر السلطة يغلب عليه التنافر البنيوي أكثر من التجانس المرحلي.

هو خليط من ليبراليين، يساريين، علمانيين، سلفيين وعسكر. من الصعب الجزم باحتفاظ هذا المعسكر برؤى موحدة تجاه مهام المرحلة الانتقالية. هي مهام مقاطعة على قدر تعاظمها.

الحيز الزماني الضيق المفترض، بالإضافة إلى تربص الأطراف، يزيد أعباء المرحلة تداخلاً على نحو يستعصي معه ترتيب الأولويات. وجود السلفيين داخل معسكر السلطة، يجعل أطرافه الأخرى تحت المطرقة والسندان الإسلاميين.

حزب النور أشبه بحصان طروادة، الإبقاء عليه داخل معسكر السلطة يتطلب تنازلات من شأنها الاصطدام بقناعات حلفائه العلمانيين. من الصعب إن لم يكن مستحيلاً، ترويض السلفيين.

هؤلاء يريدون جعل المرحلة الانتقالية انتقامية من الحلفاء والأعداء في وقت واحد. هم يجدون في طبيعة المرحلة فرصة لتعويض الخسائر وتكديس المكاسب. دفع الحصان الأسود إلى خارج معسكر السلطة، أكثر ضرراً على الحلفاء.

الإخوان يترقبون عودة السلفيين بغية توسيع فرص الانتقام.

يرتكب معسكر السلطة خطيئة فادحة إذا كرسوا المرحلة الانتقالية فترة انتقامية من الإخوان.

التجريد من السلطة أضحى أمراً واقعاً، غير أن استهدافهم يزيد المشهد المصري تعقيداً. أحد أسباب فوز الجماعة في الانتخابات الأخيرة، يتجسد في «مظلوميتهم التاريخية». العزل كما المستهدف، يتيح أمامهم فرص الاستثمار الجماهيري مستقبلاً.

من مصلحة الإخوان جعل المرحلة الانتقالية انتقامية على نحو مزدوج. هم يستهدفون عرقلة إنجاز مهام المرحلة، بتحولهم قوة قادرة على التعطيل إن لم يفلحوا في جعل سلطة المرحلة الانتقالية دولة فاقدة القدرة على الإنجاز. هذا في حد ذاته أحد أشكال الانتقام المتاحة.

من أجل فتح كوة في المشهد المصري القاتم، على الحكومة الانتقالية العمل على تفكيك الضائقة الحياتية حول المواطن.

 في البدء معالجة الأزمة الاقتصادية، بالتزامن مع توفير أسباب استتباب الأمن. ربما يعين العنصران على تخفيف حدة الاستقطاب في الشارع المصري، ومن ثم التقدم نحو تحقيق قدر من التصالح.

على قدر المضي في طريق إنتاج نظام ديمقراطي يبلور أهداف الثورة الجوهرية، يمكن الرهان على بلوغ مصالحة وطنية حقيقية. هذه مهمة ترفض القفز فوق أولويات المرحلة الانتقالية أو حرق مراحلها، أو حرق سقفها من أجل الاحتفاظ بالسلطة.

أحد مظاهر هذا الاختلال يتمثل في إخفاق شباب وقود - ثورة 30 يونيو في الوصول إلى السلطة. هو الخطأ الجماهيري نفسه في 25 يناير. في الحالتين اختطفت المؤسسة العسكرية الثورة من الشارع. تعميق مثل هذا الشعور يهدد كذلك بتحويل المرحلة الانتقالية إلى مرحلة انتقامية، في إطار حرب أجيال مفتوحة.

Email