مصر الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

مصر خلطت الأوراق مجدداً، وأعادت التاريخ إلى حقبة ظن أنه تخطاها إلى النهاية، ليفاجأ بأن مفاهيمها وقيمها ومعاييرها "الباردة" ما زالت حاضرة وساخنة.

الشعب المصري انسجم مع نفسه وشعارات ثورة 25 يناير، بعدما وجد أن جماعة "الإخوان المسلمين" استخدمتها مطية، حتى إذا ما استلمت زمام الحكم بادرت إلى إقصاء الشركاء.

الشارع رفض بوضوح أي نفس استبدادي في الحكم، ولا سيما أن نظام الإخوان فشل في تحقيق أي من وعوده، لا في المئة يوم الأولى ولا السنة الأولى.

بحسب تقديرات وزارة الداخلية المصرية، خرج 17 مليون مصري إلى الشوارع في 30 يونيو تمردا على حكم "الإخوان" وللمطالبة بإطاحته، بينما قدرت شبكة "سي ان ان" الأميركية الشهيرة أعداد المتجمهرين في الميادين والشوارع بـ30 مليوناً، وهو ما لم يحدث في تاريخ البشرية قاطبة.

 هنا استشعر الجيش المصري خطر انهيار الدولة، فحتى القوات الأميركية والأوروبية مجتمعة ليس في مقدورها السيطرة على 30 مليون ثائر في الشوارع، فما كان من خيار إلا الرضوخ لخيار الشارع الهادر، فحدث ما وصفه المصريون تندرا بـ"أول انقلاب عسكري منتخب" في التاريخ.

هذا التندر تسبب في إرباك مفاهيمي لدى الغرب لا يمكن تصوره؛ فالمنظومة السياسية الغربية المنادية دوما بالديمقراطية، أرست تقاليد رفض الانقلابات العسكرية، ولذلك خرجت التصريحات باستثناء ألمانيا متلعثمة في وصف ما حدث وتاليا الموقف منه.

الولايات المتحدة الأميركية تحديدا ترددت في إعلان موقف صريح، فلو أيدت إدارة باراك أوباما لثارت عاصفة المنظمات وجماعات الضغط التي تلوك يوميا شعارات الديمقراطية، وإن عارضت ما حدث في مصر لظهرت أمام خصومها الجمهوريين نصيرة الإسلام السياسي والديكتاتورية الجديدة بلباس التدين، فضلا عن وقوفها في وجه أكبر تمرد اجتماعي على وجه الأرض.

ينضاف إلى ذلك، أن معارضة البيت الأبيض لتحرك الجيش المصري، تفرض عليه قطع المساعدات العسكرية لهذا الجيش فورا.

هذا التردد والغموض ارتد وبالا جماهيريا على الإدارة الأميركية مع بدء ارتفاع يافطات معارضي الإخوان في مصر، التي تهاجم واشنطن وتعلي مواقف الدول العربية المساندة لخيار الشعب وفي مقدمتها السعودية والإمارات، فضلا عن البورجوازية المصرية الوطنية التي هبت للنجدة.

ورغم محاولة الإدارة الأميركية البقاء إعلاميا على مسافة واحدة من كل الأطراف في مصر، لكنها في النهاية ستضطر للجوء إلى مفاهيم الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي الغابر، حين كان من المعتاد تأييد حتى الأنظمة الديكتاتورية في ظل التقدم والتراجع على رقعة الشطرنج الأرضية بين القوتين العظميين، هذه الحرب التي أطلت برأسها مؤخرا من جدار الأزمة السورية.

روح التحدي والإصرار الجماهيري في مصر على عدم العودة إلى أي حقبة استبدادية، يضمن تغيير كل موازين القوى وحتى المواقف الدولية، ومن رحمه يولد بصيص أمل لدى الأمة جمعاء، في التخلص من المتاجرين بالدين لحساب أجندات أضيق حتى من حقوق المواطن البسيطة.

Email