بين الأمة والحزب

ت + ت - الحجم الطبيعي

"الزعيم الغالي نيلسون مانديلا، لكم نتمنى أن ينزع منك الله كل آلامك، ويضيفها إلى آلامنا.. لتكن في رعاية الله ورحمته".

تلك كانت لافتة بتوقيع بلدة حاس السورية المنكوبة بالقتل والقصف والتجويع، شأنها شأن معظم المناطق السورية التي تستعد لاستقبال شهر رمضان بتوجس الجائع أصلا والمثقل بهم الأبناء ومياه الشرب. هؤلاء المنسيون بين تذاكيات المصالح وبراعة المساومات في لعبة الأمم، لم ينسوا إنسانيتهم وهم يودعون رمزا لمقاومة ودحر الظلم رغم 25 عاما في زنزانة ضيقة، تزداد اختناقا برطوبة المحيط الذي يحاصرها من كل الجهات.

عندما خرج مانديلا من سجنه وحطم نظام الفصل العنصري، لم ينتقم من سجانيه ولم تتملكه نزعة الثأر، رغم طبيعة مجتمعه القبلي والذي خضع دهرا للتجهيل والاضطهاد، بنى على المصالحة نظاما قويا رسخ العدالة الاجتماعية، وزاد الإنتاج القومي بمعدلات قياسية.

التسامح والمصالحة والتطلع إلى المستقبل، هي عدة الثوري الحالم بالتغيير للأفضل، لا السجن داخل الماضي وأحقاده وإرباك الحاضر بذيول الذي "مضى وما انقضى"، فتبقى دائرة الحراك السياسي قعيدة العقيدة الثأرية والانتقامية.

بالطبع لا تجوز المقارنة مطلقا بين "المؤتمر الوطني" في جنوب إفريقيا، وبين "الحرية والعدالة" في مصر، فكلما اضطر مانديلا مثلا للسفر ست ساعات إلى قبائل الزولو في عمق الغابات لاحتواء نزاع، ركز في خطابه على المستقبل وتجاوز أمراض الماضي وأعراضها في الحاضر، بث التفاؤل والأمل بأن القادم سيجلو قتامة الآفل، في حين استمعنا إلى خطاب رئيس أكبر دولة عربية، من دون المقدرة على التمييز بين كونه زعيما لكل مصر أم زعيما لحزب سياسي.

فكما جرت العادة تكون خطابات زعماء الأحزاب متخمة بالمناكفات والجدال الأحادي والتركيز على تضخيم أخطاء الغير، بينما زعماء الأمم يترفعون عن صغائر الخلافات الحزبية والمذهبية وغيرها، لمصلحة الوطن الجامع، وتحفل خطاباتهم بالتشديد على قيم الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي والبرامج الاقتصادية.

وهنا نتذكر تصدي أهل الاختصاص الاقتصادي، للأرقام التي أوردها الرئيس المصري في معرض تصويره لوضع البلاد الاقتصادي، والتي شككت في مصداقيتها، لتبدو كما لو كانت أرقام "الحرية والعدالة" لا حكومة دولة.

 إذن، الخطاب الفئوي ورد العجز عن الإنجاز إلى "أعداء الثورة"، لم يفلح في الحط من حماس "تمرد" نحو 22 مليون مصري في النزول إلى الميادين، رافعين مجددا شعار "إسقاط نظام الإخوان المسلمين" في مصر، والذين فشلوا بحق وهم يمسكون بزمام السلطة، بكل مؤسساتها وقواها وأدواتها، في توحيد قوى الشعب خلف برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي حافل بالقواسم المشتركة وتقاسم السلطة.

لا منقذ للإخوان وقد حانت ساعة الحسم.. لا رد كل ما يحدث إلى قوى خارجية انضمت إلى قائمتها حديثا الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت حتى وقت قريب حليفا صدوقا، لا منقذ سوى الاعتراف الجريء بالفشل، وإفساح المجال للآخر بعد الاعتراف به.

Email