القيادات الحقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أي أياد شيطانية خنقت الأمل فينا، وتركتنا قتاما يفتش عن نقطة ضوء بمشاعل مطفأة؟!

"أراب أيدول"، وبعيداً عن الغرض التجاري، حقق ما هو كفيل بإدهاش صانعه، فمجريات الأمور المرتبطة بالرأي العام لا يمكن توقعها. وكان أن تنافس على لقب "محبوب العرب" رغم أن الترجمة ليست دقيقة - ثلاثة قادمين من أراضي النزف والأزمات، يجرون وراءهم تراكيب نفسية جوهرها اللااستقرار وغباش القادم من نوائب الأيام. ذلك الفتى الأسمر، بملامح النيل وتربة الكنانة، يخلع الأفئدة من مكانها حين يغني لمصر، ترى أداءه يعتريه اللااكتراث إن غنى لغيرها، وإذا ما شدا لحناً طربياً يتألق الوتر ويرن على القلب كتراتيل سماوية.

 ثم تلك الفتاة التي تعود من البرنامج إلى أرض هي لا تعلم إن كانت ستعرف تضاريسها التي أعادت رسمها البراميل المتفجرة، ولا تعرف إن كانت ستجد أمها على قيد الإمكانية لتتنسم رائحة أنفاسها في طبيخها، بعدما عاندت البيولوجيا وخصبت القدود الحلبية بشجنها الأنثوي.

وأخيراً ذلك الفتى النحيف بنحول قطاع غزة، القادم من أزقة مخيم اللجوء في خانيونس، حيث خبر جيداً انتظار الرغيف من وكالة الغوث، وعانى طويلاً من ثقافة بذخ الطرب بين القذائف، ودوزنة العود بينما الحي يلملم أشلاء القنابل الفسفورية، ويحجر على أوتار الصوت غير نشيد الموت.

ثلاثة عناوين لمآس حزينة أوقدوا مشاعل الفرح في ليل العرب.

هنا خالفت النتيجة مقدماتها، وسارت إلى غير اتجاه ألفته منظومتنا الفكرية وتقليدية التحليل النفسي والسياسي لمسار مجتمعاتنا العربية. ومرة أخرى نصطدم بحقيقتنا: كم كنا مخطئين حين لم ننتبه لتناقض الأجيال، ظننا أننا مصدر وعيهم ومآله، فاكتشفنا أن هذه الأجيال تغذت من مشارب أخرى، أكثر نهماً للحياة. ثورة مزمنة في فلسطين، وأخرى مستعصية في سوريا، وثالثة مرتبكة في مصر، وجميعها تشترك بأفق أحكمت القيادات إغلاقه بمصاريع اليأس والإحباط، رغم ما تعلمته من القواميس، بأن الثائر يحمل في أحشائه إرادة التغيير.

وتالياً يفترض أنه حالم أو حامل لبشارة الأمل، لكنه حين يعد للنزول حتى في مظاهرة، يتحلل من البرامج والخطط التفاؤلية ويتزيا بوداع أهله وثقافة الانتحار. كلنا يدرك أنه إذا كان محرك التغيير هو الإحباط فالنتيجة قاتمة لا محالة، قيادات محبطة في الساحات الثلاث، وها نحن نرقب عن قرب نذر تفتت سوريا وموت فلسطين وتشظي مصر. هذا ما يفسر انتصار الشعوب الطيبة والبريئة من تذاكيات القيادات التقليدية، انتصارها للفرح والأمل، بحثت عن عناوين للحياة فلم تجد سوى شابين وفتاة، جمعا من أبناء العرب حول الشاشات ما عجزت عنه القيادات استبدادية كانت أم ثورية.

الناس يبحثون عن الأمل ليصبح التغيير الإيجابي في متناول القلب، بينما القيادات تذبل في فلسطين، وتلوذ بأعداء الوطن في سوريا، وتستشرس في معركة الاستئثار بالسلطة في مصر.

هؤلاء الناس هم الأجدر بلقب القادة.

Email