لا عزاء لسوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذن، تحركت الإدارة الأميركية أخيراً في الملف السوري، وباتت لاعبا رئيسيا في مواجهة المعسكر الروسي الإيراني، بعدما تركت الملف طويلا للبريطانيين والفرنسيين، لكنه تحرك محكوم تماما بحذر مدروس بدقة، رغم أن هناك فرقا دوما بين الخطط وتنفيذها، مع الأخذ في الاعتبار أن أبناء «العم سام» برعوا ردحا في الخطط البديلة وتصويب المسار، وحفر القنوات لإيراد الإبل حيث يريدون.

حدث كان في نشرات الأخبار، قرار الإدارة الأميركية ضخ السلاح للمعارضة السورية، والتلميح لمنطقة حظر طيران في جنوب سوريا، لا شمالها كما كان متوقعا، طبعا لأن الجنوب السوري قريب من الجولان المحتل ومن ثم إسرائيل، فالأخيرة حجر المجن في السياسات الأميركية الشرق أوسطية.

 حدث استفز الروس وحزب الله معا، ما اضطر زعيم هذا الحزب إلى خطاب تحد جديد قوامه «سنكون حيث نريد»، لتعديل موازين قوى نظام بشار حيث يضربها الوهن.. لكن ما الذي دفع إلى هذا التغير الدراماتيكي في الموقف الأميركي؟

أولا: الحذر في أروقة البيت الأبيض ولد انقساما بين متحمس لإلقاء بعض الثقل خلف المعارضة السورية وبين متمهل، الأمر الذي استغله الجمهوريون في الكونغرس للنيل من الديمقراطيين وتخاذلهم في ملف حقوق الإنسان وتقويض الديكتاتوريات على الحدود الإسرائيلية، وتاليا تسجيل نقاط تفيد في الانتخابات الرئاسية التي تلي حقبة أوباما.

ثانيا: تجفيف منابع السلاح للجيش السوري الحر، كان لمصلحة التنظيمات الأصولية في سوريا، والتي بدأت تستقطب أعدادا كبيرة من السوريين على قاعدة خذلان الغرب ومعاداته، وامتلاك هذه التنظيمات مخزونا مهما من السلاح والمال.

ثالثا: الخط الأحمر الخاص باستخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي لتعديل كفة المعارك في بعض الجبهات، في ظل افتقاد المعارضة للسلاح الكافي، الأمر الذي حمل نذر بدء المعارضة بالتفكير في تصنيع أسلحة كيماوية بدائية أو «قذرة»، كانت تنظيمات أصولية نجحت في تصنيعها عبر الانترنيت، الأمر الذي يثير الذعر الإسرائيلي من حقبة ما بعد بشار.

رابعا، وهو الأهم: دخول حزب الله اللبناني ولواء أبو الفضل العراقي والحرس الثوري الإيراني علنا على خط المعارك في سوريا، وهو ما ولد خللا كبيرا في موازين القوى على الأرض - أكثر من المسموح به - ما تسبب في انتصارات كبيرة لمعسكر النظام في منطقة حمص، واتجاه البوصلة نحو حلب لتكرار «نكسة القصير»، الأمر الذي استدعى تحركا سريعا لتعديل ميزان القوى نحو التكافؤ وتجسيد شعار «لا غالب ولا مغلوب»، حتى إنهاك البلاد تماما وخوار قواها حتى العظم، ليسهل ترتيبها لاحقا في ظل غياب أي قوة بديلة للنظام.

إذن، لا محل لتفاؤل المعارضة، ولا حاجة لاستقواء النظام أكثر بقوى خارجية، ولا عزاء للوطن السوري.

 

Email