مصير أردوغان

ت + ت - الحجم الطبيعي

نرجسية رجب أردوغان المتضخمة، أعمته عن الاختيار الملائم لمواجهة خصومه المتكاثرين. إسطنبول دماغ تركيا وصدرها المتفتح على الغرب. ميدان تقسيم قلب المدينة ورئتها. «تقسيم» ليس فضاءً مجرداً في إسطنبول. في هذا الميدان وعبره تمور كل الإثنيات التركية، وتتلاقح فيه التيارات الثقافية من الشمال والجنوب. على حوافه تنبت بذور الخير والجمال، كما تعشش خفافيش الظلام من كل حدب وصوب.

بما أن «تقسيم» ليس مسرح أردوغان، فإنه لن يخرج فائزاً من هذه المعركة. ربما بزغ نجم رئيس الوزراء كأنجح سياسي تركي يتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة بعد أتاتورك، فإن تقسيم يكشف احتراق نجم أردوغان وتآكل شعبيته. عوضاً عن ذؤابات أمل روجها أردوغان، تحول الرجل إلى مصدر إحباط، ليس داخل بلاده فقط بل في الشرق والغرب. أردوغان يحرق حالياً أنموذجاً بدا مشرقاً لإمكانية وجود نظام شرقي يتعايش فيه الإسلام والديمقراطية.

على نقيض صورة السياسي المنفتح ورجل الدولة الناجح الصاعد عبر صناديق الاقتراع في جمهورية ديمقراطية، اتخذ رئيس الوزراء التركي استبدادياً فوق الحزب والشعب والدولة.

حزب العدالة والتنمية نجح بقيادة أردوغان خلال السنوات العشر الأخيرة في إنعاش اقتصاد تركيا، على نحو أهلها لبطاقة نادي العشرين الكبار. في المقابل شهدت تركيا تراجعاً على صعيد الحريات والحقوق المدنية. حريات التعبير تضيق.

حقوق الأقليات والنساء تتراجع. قوائم المعتقلين والسجناء تتضخم. عدد الصحافيين الأتراك خلف القضبان يفوق مثله في الصين! موجات الاحتجاجات تتصاعد. عنف الشرطة يستفحل. بؤر الصدام تحتدم.

 بدلاً من مواصلة التقدم على طريق نشر الديمقراطية، انتكس منهج «العدالة والتنمية» إلى الإقصاء ورفض الإصغاء. بدأ الحزب في إخراج مكنونه الأيديولوجي. إذا كان العدالة والتنمية يتجه نحو «عثمنة» تركيا، فإن أردوغان يرغب في تكريس نفسه سلطاناً.

هكذا يبدو أردوغان متماهياً مع جاره الشمالي بوتين في روسيا. كلاهما واتته ظروف داخلية تمكن في إطارها من بناء نجاح قطري صنع به زعامة شخصية. بوتين أخذ الدولة بيده لعبة يتبادل فيها المواقع والسلطات. هذا ما يريد أردوغان فعله.

أزمة رئيس الوزراء التركي ليست مع خصومه السياسيين فقط. نهج أردوغان السلطاني أفرز أزمة مع منافسيه داخل حزبه. هكذا تباعدت مواقف رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء عن أردوغان إزاء أزمة «تقسيم». عبد الله غل اعترف بحق المتظاهرين في الميدان، وعبر عن استيعابه «للرسالة». بولت أريتش أفصح عن اعتذاره إزاء العنف المفرط من قبل الشرطة. وحده أردوغان يصر على القمع والتجييش والصدام.

أردوغان يستفز مخزون تركيا من العلمانيين والليبراليين ومنظمات المجتمع المدني ودعاة حقوق الإنسان. ربما كسب رئيس الوزراء التركي جولتين ضد الجنرالات. لكن الحرب لم تنته بين قادة الأركان والقيادات الإسلامية العثمانية.

لن يخسر الحزب المعركة الانتخابية المقبلة استناداً إلى رصيده الاقتصادي. لكن أردوغان لن يصبح قادراً على الصمود أمام أعدائه داخل الحزب وخارجه.

Email