قائمة التفتيت

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل حقاً تعاني الإدارة الأميركية في الولاية الرئاسية الثانية لباراك أوباما، من تخبط عجيب على غير صعيد في السياسة الخارجية، أم أن هذا التخبط نفسه يدخل في إطار التأثر والتأثير بـ"الفوضى الخلاقة"، التي تترك لمسارات الأحداث أن تستنفد قواها الذاتية، ليبدأ الحصاد الأميركي للضعفاء، وترتيب ما يشاء البيت الأبيض من دون قوى مناوئة؟

أسخن مظاهر التخبط الأميركي يظهر في الوضع السوري: بروز الحالم الرئاسي الجمهوري جون ماكين في مظهر "تشي غيفارا" الربيع العربي، بشعاراته الثورية ودعوته إلى قلب موازين القوى العسكرية بتسليح الثورة السورية، لكن مع ضمانات بأن لا تقع في أيدي "الإرهابيين".

بينما تتأرجح الدبلوماسية الأوبامية بين تحفظ الرئيس الأميركي، وحيرة وزير خارجيته جون كيري، وسط تقارير حفلت بالتسريبات عن انقسام في أروقة صنع القرار "البيضاوي"، بين متحمس لتسليح ثورة السوريين والتعجيل بإسقاط نظام بشار الأسد، وبين متردد إزاء "التورط" المباشر في النزاع، وذلك في مقابل الانخراط الروسي حتى العظم، إلى حد التطوع لإرسال جنود إلى هضبة الجولان لملء الفراغ النمساوي هناك.

طبعاً المراقب عن بعد، لا يخبر آليات صنع القرار الأميركي؛ صحيح أن الرؤى التكتيكية تختلف بين قوى التحالف الحاكم من رئيس وكونغرس وجماعات ضغط "لوبيات"، لكن ولا بأي حال يمكن تصور أي خلاف على الاستراتيجية، وهي التي فضحها جوزيف بايدن أخيراً بتأييده تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، بعد يومين فقط من إعلان برقة إقليما مستقلا في ليبيا.

النوايا الأميركية في المنطقة تفتيتية بلا شك، ولكل ساحة نزاع خصوصيتها في اختيار طريقة وشكل التفتيت، وبالطبع الهدية الكبرى لإسرائيل تبقى انضمام سوريا إلى قائمة التفتيت، وغلق كل صنابير الرصاص عن الثوار كلما قويت شوكتهم وتقدموا، حتى تظل سوريا المكلومة أسيرة بـ"لا غالب ولا مغلوب"، وتاليا الزحف في الرمق الأخير إلى مائدة مفاوضات التقسيم.

في هذه الأثناء، لا بد من تهيئة المناخ لهذا التفتيت، عبر إشعال الشعار الطائفي الأكثر استفزازا، لتزيد أكثر من أوار التحشيد الطائفي.. غاية التسريبات المصورة المتوالية. عندما نصل مرغمين إلى هذه المرحلة، لا أخال أن إنساناً يمتلك ولو شكلا بدائياً من الجهاز العصبي، سيمتلك وقاحة التبرؤ من هذه النتيجة:

الكل شركاء فيها. على الجانب الآخر، تحدث أوباما إبان زيارته الأخيرة لفلسطين، عن خطة سياسية على هذا المسار، فاستشرس الاستيطان أكثر فور مغادرة الرئيس الأميركي، من دون أي رد فعل، ليطالعنا كيري خلال منتدى دافوس في البحر الميت الأردني، بخطة بقيمة أربعة مليارات دولار لإحياء الاقتصاد الفلسطيني، وتنمية الضفة الغربية على وجه الخصوص.. لإحياء مفاوضات السلام.

أشك في أن يجد كيري أو غيره مساحة أرض كافية للفلسطينيين لإقامة أي مشروع عليها حين يكتمل جمع هذا المبلغ، لكنه التيئيس مجدداً وبقاء المفتت أصلاً.. مفتتاً.

Email