أردوغان و«الإخوان»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحدث غرائبيات عالم السياسة في المنطقة، دعوة نظام بشار الأسد نظيره في تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، إلى احترام حقوق المتظاهرين في اسطنبول.

هذه الدعوة كفيلة بدخولها موسوعة «غينيس» في اللهو السياسي، لكنها في الجهة المقابلة تشف عن عمق أزمة جماعة الإخوان المسلمين وكل النماذج المحاكية لها في الشرق الأوسط.

طبعاً لا مقارنة بين النظامين التركي والسوري، من حيث الديمقراطية والتنمية والتأثير الإقليمي، إذ لم يحتل أردوغان كرسي السلطة بتغيير الدستور وتفصيله على عمر «القائد إلى الأبد»، كما أن تظاهرات اسطنبول لا تنادي بالحرية ووقف الاستبداد ونهب البلاد، بل هو خلاف إيديولوجي بين فئة «أتاتوركية» علمانية في المجتمع، وغالبية إسلامية اجتاحت صناديق الانتخابات باسم حزب الحرية والعدالة.

ويظل الخلاف رمزياً على مشروع معماري، لا يرقى بأي شكل لما يحدث في سوريا من حروب مجمعة لا مثيل لها في الوحشية، وكلها تدار بالوكالة. لنتجاوز حقيقة أن الأصدقاء الأتراك من علمانيين ومتأسلمين يلتقون على قاسم إسرائيلي مشترك، ويختلفون في المنهج فقط، لكن تركيا في المحصلة ليست في منأى عن هزات «الربيع العربي» والقوى المحركة لها.

ففي مقابل كأس الثمالة الأردوغاني احتفالاً بتسلل جماعة «الإخوان المسلمين» إلى مقاليد الحكم في غير بلد عربي، على أكتاف القوى الشبابية التي ثارت ضد الاستبداد، هناك كأس علقم ينتظر الزعيم التركي تجرعه، عتقته قوى ليست بالخفية، في أقبية «مفسدة السلطة».

خرجت الجماعة من ثوب الضحية والتلطي وراء قمع الاستبداد، وباتت في مواجهة أسئلة الحكم الصعبة، وتحت مجهر الجماهير التي ترى الآن حقيقة التشابه بين فساد القامع والمقموع. ما يجري للنظام شبه الإخواني في تركيا لا يختلف كثيراً عن أنظمة الجماعة في البلدان العربية، فحتى على الساحة السورية كمن «الإخوان» خلف سواتر الأمان بعيداً عن التضحيات، وها هم يطلعون فجأة للحصاد والمطالبة بـ«نصيب الأسد» في الائتلاف المعارض، حتى إذا ما وصلوا إلى الحكم ظهر غسيلهم على حبال الطرقات.

النموذج الإخواني المتقدم في مصر، في وضع لا يحسد عليه، سواء لفشل إدارة البلاد داخلياً، أو حتى المقدرة على مواجهة إثيوبيا في تحكمها بمياه النيل وحناجر أكثر من 80 مليون مصري. هذا ناهيك عن المراوغة السياسية تجاه الثورة السورية، ففي 25 مايو الماضي صدر بيان حمل توقيع الجماعة هذه، تدعو فيه «الحكومات العربية والإسلامية لاتخاذ المواقف السياسية القوية لمواجهة العدوان المستمر على الشعب السوري، سواء من النظام المستبد أو من حلفائه الطائفيين»، في وقت تفتح أبواب القاهرة لأحمدي نجاد داعم العدوان الذي يتحدث عنه البيان - وكذلك للسياحة الطائفية.

أردوغان و«الإخوان» على ما يبدو يداً بيد في المسير.. والمصير.

Email