حماس وغزة وإِبراهيم أَبراش

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو تفصيلاً صغيراً اقتحام الأَمن الداخلي لحكومة حماس في قطاع غزة، الأَحد الماضي، منزل الكاتب والباحث والأُستاذ الجامعي الفلسطيني الدكتور إِبراهيم أَبراش، واحتجازه ساعاتٍ في تحقيق ثانٍ معه، بعد ثلاثة أَيامٍ من استدعائه، واستنطاقِه خمس ساعات، ومطالبته بالاعتذارِ عن مقالٍ انتقدَ فيه يوسف القرضاوي. لا تبدو الواقعةُ ناشزةً أَمام انتهاكاتٍ جسيمةٍ تتراكمُ في القطاع، ترتكبها الحكومة المذكورة وأَجهزتها البوليسية.

وقد زادت في العام 2012 عمّا كانت عليه في 2011 (كما حكومة رام الله، وهذا موضوعُ آخر)، بحسب تقريرٍ للهيئة المستقلة لحقوق المواطن «ديوان المظالم»، ومنها أَحكام إِعدامٍ على 11 شخصاً تخالف القانون، واحتجاز 34 فلسطينياً على خلفيةٍ سياسيةٍ، ووفاة 9 معتقلين في السجون، عدا عن منع مسيراتٍ، وملاحقة صحافيين بكيفيّةٍ غير قانونية. ولا مطرحَ لاستغرابِ هذا كله، وغيرُه كثير، لأَننا سنرفلُ في أَطنانٍ من البلاهة إِذا صدّقنا، يوماً، أَنَّ نظام «حماس» في قطاع غزة يمكن أَنْ يكون ديمقراطياً، ومحترِماً حريات التعبير والتنقل.

لا أَتفق مع الوجهةِ العامة في مقال الصديق إِبراهيم أَبراش، غير أَنَّ حماسي وتقديري لأطروحاتِه واجتهاداته كبيران، وهو الذي ما انفكَّ يكتب منتقداً السلطة الوطنية وأَداءَها، سيما في شأن المشروع الوطني الفلسطيني، وكذا أَداء «حماس»، إِنْ في ممارستها المقاومة بعيداً عن «شروط المقاومة الوطنية الحقيقية ومتطلباتها»، أَو في إِدارتها قطاع غزة، كحكومة «أَمرٍ واقع»، بتعبيرِه.

وفي البال أَنَّ الرجل أَشهرَ استقالتَه من منصبه وزيراً للثقافة في فبراير 2008، في مرافعةٍ مسؤولة، أَوضح فيها أَن استقالته احتجاجٌ على عبثية نهج من يقولون بالمقاومة وعبثية المفاوضات مع إِسرائيل، ورأى السلوكين يتمّان في ظلِّ عمليةٍ مدمرةٍ للمشروع الوطني الفلسطيني. وكتب، في حينه، أَنَّ الحكومة (برئاسة سلام فياض) تُسيّر الأَعمال من دون استراتيجية عملٍ وطني، وأَنَّ الثقافة الوطنية الفلسطينية مهددة بالتلاشي أَو التشويه.

طريف من أَجهزة حماس أَنها استدعت أبراش، قبل عامين، وطلبت منه تعهداً بأَنْ لا يكتب منتقداً الحركة الإسلامية الحاكمة، ولمّا رفض، طولب، بعد تدخلاتٍ، بتعهدٍ شفويٍّ بأَنْ يكون موضوعياً! وثمة طرافةٌ ثقيلةٌ في إِعلان وزير الداخلية في حكومة حماس، فتحي حماد، الأسبوع الماضي، أَنَّ الأَجهزة الأَمنية «ستراقبُ كل من يسهم في خفض مستوى الرجولة».

وتصدر هذه البدعةُ عن توجهٍ إِلى محاربة «مظاهر شبابيةٍ غير منسجمةٍ مع الطابع المحافظ للمجتمع». ولعل هذا المنظور هو ما يُعمل على فرضِه في قطاع غزة المُختطف، في جامعاته مثلاً، فلا يجيزُ الفرح بنجوميّة الشاب الغزّي محمد عساف، في برنامجٍ غنائيٍّ شهير، ولا البهجةَ الشعبية به..

ليس استدعاء مثقفٍ وطنيٍّ لامع، هو إبراهيم أبراش، من الرجولة، ولا استضعاف المساجين، فيموت بعضهم في الزنازين، ولا من الكرامة الوطنية أَنْ يقصَّ رئيس وزراء دولة فلسطين، الثانية في غزة، إِسماعيل هنية، أَظفار يدي الشيخ القرضاوي.

Email