الجدار السوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

أما آن لهذا التلهي المتوحش أن ينتهي؟

هو سؤال برسم القوى الكبرى التي تتحكم في مفاتيح لعبة السفك والنزف الجارية على أرض سوريا، فثمن هذا العبث الدولي أرواح آدمية، والأهم مستقبل بلد بأكمله ينذر بتغيير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وتاليا تهيئتها لعقود مقبلة من الصراعات والنزاعات الجديدة، التي باتت كما لو كانت قدرا أزليا.

ما معنى تقدم قوى المعارضة على الأرض، يلي ذلك تقدم قوات نظام بشار الأسد، ثم تقدم المعارضة فتراجعها.. وهكذا منذ شهور! قلنا في السابق بغض النظر عن نيويورك تايمز وتسريبها عن تفضيل إسرائيل بشار على المعارضة بدعوى أنه بات منهكا.

ولا يشكل خطرا عليها، وكأنه حين كان قويا يشكل مثل هذا الخطر الذي لم نلمسه طيلة عقود النزاع، حتى ومقاتلات بني صهيون تدك مفاعل الكبر وقبله نظام الصواريخ الدفاعية "سام 9" بداية الثمانينات.. بغض النظر عن ذلك، فإن الطرفين المعارضة والنظام يراد لهما من خلال الدعم العسكري الخارجي، أن يصلا إلى الزحف إلى مائدة المفاوضات لتقسيم سوريا. قلنا ذلك بالطبع، لكن ما لا نفهمه هو المعيار.

فإن كان فقدان الطرفين قوتيهما فإن انعكاس ذلك على الأرض هو دمار سوريا التام، وإن كان يعني وصولهما إلى قناعة استحالة هزيمة الآخر، فإن ذلك لن يحدث أبدا في ظل استمرار تدفق الأسلحة من الخارج إلى جانب المقاتلين، سواء كانوا من الأصوليين أو من إيران وحزب الله، الذين يؤكد الأسد أنهم لا ينفذون مهمات قتالية بل ربما تثقيفية..

لا بأس إن كان لدى موسكو بعض من السر الخاص بالغيتو العلوي، والذي كانت آخر مؤشراته تلك الصواريخ البحرية المتطورة التي لا تصلح بالتأكيد لنهر بردى، بل للبحر المتوسط حيث الساحل السوري والدولة العلوية المقبلة، على سبيل حمايتها من البحر، بينما يتكفل مقاتلو حزب الله وشبيحة الأسد بمهمة "تطهير" مناطق حمص لإيجاد حزام أمني حصين يحمي حدودها برا.

لكن ماذا عن السر لدى واشنطن؟ تظهر صراخات واستجوابات الكونغرس الأميركي وكأن إدارة باراك أوباما تتخبط في الأزمة السورية، بينما السر والحل والربط في تل أبيب. مصلحة إسرائيل بالطبع هي تقسيم سوريا وتغييب المرجعية التي يمكن أن تطالب بالجولان المحتل.

لكنها أيضا معنية بالقوى البديلة في مناطق التقسيم، فالجيب الكردي معنية به أساسا تركيا، أما الجيب الدرزي المحايد فهو قابل للاستمالة عبر بني جلدته في فلسطين، ولا سيما في ظل ثقافة التوجس الأبدي من الشقيق قبل الجار، لكن الجيب السني المقلق هو ما ينبغي ترتيبه.

المجاميع السنية المسلحة متعددة المرجعيات تثير هلع إسرائيل، ولا سيما أن الجيش الحر لم يستطع احتواءها في إطار جامع منضبط، وما لم تتمكن جهة عسكرية سنية من هذه المهمة، فإن الحال سيبقى على ما هو عليه، دوامة دم في انتظار البديل.

جدار سوري محكم الإغلاق، نسينا أمامه أن نفخر باختراق المقدسيين جدار الفصل العنصري!

Email