الغامض الواضح في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما قالوا وصلنا.. خرّ أولهم على قوس البداية»، هو ذا الشعار الدولي الواضح للمأساة السورية، رغم أن مقولة محمود درويش هذه كانت تصور رحلة التيه الفلسطيني، براً وبحراً، والتي لم تنته إلا بملهاة تقليم إسماعيل هنية أظافر القرضاوي في غزة.

لم تستطع الدبلوماسية المعهودة إخفاء التضاد في الموقف بين كيري ولافروف في موسكو قبل أيام، رغم محاولتهما التعويل على مؤتمر جديد يتمحور حول وثيقة جنيف لحل الأزمة السورية، ليسارع مسؤول روسي الى نسف هذا المؤتمر، ما يعني علنا بقاء الحال على ما هو عليه، لكن الخفاء يحمل الكثير ولا سبيل لاستجلائه سوى التقاط المؤشرات.

أولى هذه المؤشرات اعلان رئيس هيئة الأركان المسلحة الإيراني اللواء سيد حسن فيروز آبادي أن «الحرب في سوريا قد انتهت»، وأن «مقاومة شعبية على غرار حزب الله اللبناني تتشكل في سوريا». ثم ثأني هذه الإشارات 40 قتيلا ونحو مئة جريح في تفجيرات هزت بلدة الريحانية التركية، القريبة من المعبر الحدودي الرئيسي مع سوريا، قالت السلطات التركية إن منظمة مقربة من النظام السوري مسؤولة عنها.

ثالث الإشارات أتت من الجانب الآخر من الحدود السورية، وهذه المرة مع العراق، وتحديدا معبر اليعربية، الذي حشد الجيش العراقي مدرعاته وقصف الجيش السوري الحر الذي يسيطر عليه.

وأخيراً ما سربته بعض التقارير الصحافية، عن نجاح نظام بشار الأسد في زرع قائد عسكري برتبة كبيرة في معسكرات تدريب الجيش الحر في الأردن، وسحبه مرة أخرى بحصيلة استخبارية مهمة.

يتبقى الربط: فإعلان آبادي عن تشكيل ميليشيا سورية على غرار حزب الله، هو في حقيقته اعلان هزيمة للنظام، وتغيير قادم في التكتيك العسكري نحو حرب عصابات، بدأت بمعارك حزب الله نفسه في القصير، لتطهير حزام واسع يحيط بجغرافيا «الغيتو» العلوي على الساحل.

وربما كانت الريحانية التركية هي باكورة عمليات هذه الميليشيا، تنفيذا لتهديدات بشار الأسد الشهيرة بحرق المنطقة كلها ان شعر بقرب الهاوية، وهو ما لن يتأتى إلا في حال عودة السيطرة أو على الأقل الانفلات الى معبر اليعربية مع العراق، ليعود كما كان بؤرة تهريب سلاح وعناصر مقاتلة.

اذن عنوان المرحلة السورية المقبلة هي حرب ميليشيات، يتمركز النظام السوري خلالها خلف أسوار «الغيتو» العلوي، ومن ثم استنزاف شامل يطال كل الأطراف المتقاتلة للجلوس على مائدة التقسيم التفاوضي، هذا التقسيم الذي يتفشى في المنطقة وأقربها العراق عبر اليعربية الى جانب انسحاب مقاتلي «العمال الكردستاني» الى الشمال العراقي في صفقة تكرس استقلال «كردستان».

ورغم كل هذا الغمام يبقى الغامض الواضح في المشهد السوري، هو الخط الأحمر الذي احترف النظام تاريخياً التزامه: عدم المس بإسرائيل، ذلك أن مساحات شاسعة من الجانب السوري من الجولان باتت مكشوفة، لكنها عصية على امتداد الحريق الذي هدد به بشار، حتى أن الفصيل الفلسطيني الوحيد المحسوب عليه لم يرد على الغارات الأخيرة، ولو ببيان!

Email