مع العدالة وإلهام شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تطاولَ السلفي المصري، عبد الله بدر، قبل شهور، على عرض الفنانة، إِلهام شاهين وشرفها، وتمادى في التشنيع عليها والطعن في أَخلاقها، على شاشة قناة تلفزيونيةٍ، ظن أَنَّ ذلك من حقه، ومباحٌ له، ما دام أَنه داعيةٌ عارفٌ بالإسلام، وآلت السلطةُ في مصر إِلى إِسلاميين، وما دام أَنَّ شاهين مجرد ممثلة في السينما والتلفزيون، ما قد يجيزُ النهشَ فيها، وبأيٍ كلامٍ من أَيِّ نوع، منه ومن أَمثاله، سيّما في زمن الإسلام المنتصر.

لم يدرِ الرجل أَنَّ مصر محصنةٌ، دائماً بطبيعتها، من سقوطٍ مخلٍّ تُستباحُ في غضونِه أَعراضُ العباد كيفما اتفق على الملأ، بما تتوفَّر عليه أَرض الكنانة من أَدمغةٍ وكفاءاتٍ فكريةٍ وثقافيةٍ وقانونيةٍ، تعرفُ الإسلام الصحيح، وتُمايز بين حريةِ التعبير عن الرأي وشتم الناس.

وأَيضاً بمناعةٍ يمثلها مجتمعٌ مدنيٌّ فاعلٌ ونشطٌ في مصر. وفي البال، أَنَّ عبد الله بدر ما أَن أَشهرَ تفوهاتِه التافهة، حتى تنادى شيوخٌ وعلماءُ من الأزهر الشريف إِلى ردعه، وطالب بعضُهم بتطبيق حدِّ القذف عليه.

وقال الرئيس، محمد مرسي، لفنانين ومثقفين دُعوا إِلى جلسةٍ معه، أَنه يرفضُ ما تعرَّضت له إِلهام شاهين، ولا يقبلُ إِهانة كرامتها. وهاتف الناطقُ باسم الرئاسة، ياسر علي، النجمة المعروفة، وأَبلغها تقدير مرسي شخصَها وفنها.

جديدُ الحدّوتة غير الطريفة، أَنه تم، قبل أَيام، العثور على عبد الله بدر، بعد أَسابيع من فرارِه من منزله، واختفائه في غير مكان، هرباً من تنفيذ حكمٍ قضائيٍّ بسجنِه عاماً مع الشغل، وتغريمِه 20 أَلف جنيه.

وبينما يمكثُ حالياً في سجن النطرون، ينشط أَنصارُه ومريدوه، من أَجل أَنْ يصدُر عنه عفوٌ رئاسي، من باب "عدم جواز أَنْ يضطهد رئيسٌ إِسلاميٌّ إِسلاميين"، ويتلملمون في اعتصاماتٍ تطالب بتطهير القضاء الذي ينتصر لشيخٍ من أَجل فنانة، وتطهير وزارة الداخلية التي تحبسُ داعيةً إسلامياً ينشغل بحماية الأخلاق العامة (!).

ومن المفارقاتِ أَنَّ السلفيين، ومعهم وقبلهم "الإخوان المسلمين"، كانوا الأَشدَّ معارضةً لإلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، في مشاريع القوانين المختصّة، ونجحوا في استبعاد نصٍّ يؤشر إِلى ذلك في الدستور الجديد.

وكان يمكن أَنْ يُؤازر أَهل الإعلام والصحافة الشيخ عبد الله بدر، لو أَنه هاجمَ أَعمالاً لإلهام شاهين، يراها تتجاوز آداباً عامة، لكنه مضى إِلى واحدةٍ من تعدّياتٍ تستثنيها قوانينُ حماية حرية التعبير من العقوباتِ السالبة للحرية، وهي الطعنُ في الأَعراض، وشرحت حيثياتُ الحكم ضد بدر في 21 صفحة جريمتَه هذه.

ليس انحيازاً إِلى إِلهام شاهين، ولا بغضاً في عبد الله بدر، وإِنما العدالةُ، وحدها، تجعلنا لا نتعاطفُ مع هذا الرجل، ونُخمِّنُ أَنَّ عفواً رئاسياً عنه سيعني سماحاً لأَمثاله من شيوخ الفضائيات من الوزن الخفيف في معرفة صحيح الإسلام، بالتجني على من يشاؤون، بسخيفِ الكلام، بوهم أَنهم رجال دعوةٍ إِلى سواءِ السبيل.

Email