الطائفية أفيون بعض الأنظمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كأنما باغتنا الإسلاميون بمنهجهم وممارساتهم، بعد قفزهم على أسنمة السلطة في أكثر من عاصمة عربية.

بما أننا مصابون بضعف الذاكرة السياسية، فقد سقطت في زحام الفوضى حقيقة جوهرية في تاريخنا المعاصر.

كل مكونات الطيف الإسلامي لم تكن يوماً فصيلاً فاعلاً في حراكنا الجماهيري من أجل تكريس الديمقراطية. جميع التنظيمات الإسلامية في الوطن العربي وطوق الجوار، ظلت تستهدف السلطة بغية التمكين والتمكن.

أيما فريق إسلامي قبض على مقاليد الدولة إلا ومارس الإقصاء والاستبداد والفساد. تلك هي خطيئة استبق بها عباس مدني استلام السلطة، فقطع جنرالات الجزائر الطريق عليه.

في تونس، كما في مصر، لحق الإسلاميون بقطار الثورة، عقب عبوره محطات شعبية عدة.

في غياب مشروع جوهري للحكم لدى الإسلاميين، كرس الصاعدون عبر صناديق الاقتراع كل جهد ممكن ومحال، من أجل القبض على مفاصل الدولة. ذلك ما بات يعرف بمنهج أخونة الدولة.

جميعهم استهدفوا إنجاز المشروع عبر الشحن الطائفي والعرقي، غير عابئين بالخصوم أو الشعب.

بما أن الإسلاميين لا يجيدون قراءة التاريخ، فإنهم لم يستوعبوا سيرة أنظمة شمولية أكثر منهم مترسة إيديولوجية وشراسة قمعية.

كل الأنظمة الاستبدادية عجزت عن احتكار التاريخ، أو وقف حركة تقدمه. الإسلاميون ليسوا استثناءً.

المشهد السياسي في عواصم الإسلاميين يغلب عليه، إلى جانب الاستبداد والفساد، الاستعلاء الإيديولوجي، والشحن الطائفي، كما الفرز القبلي والجهوي.

ما يزيد البؤس بؤساً، انشغال القوى الديمقراطية بالبحث عن مخرج من مأزق الاحتباس الإسلامي، عبر وسائط سلمية، بدلاً عن حفر مسارات التقدم بالجهد الدؤوب نحو غايات الثورة الجوهرية، المتمثلة في الحرية والعدالة والكرامة.

يغلب على هذه القوى التردد إزاء منهج الإسلاميين المتدثر بالدين والطائفة والعرق، بينما أولئك منهمكون في إحكام قبضتهم على مفاصل الدولة، وتعبئة أقنية الشحن الطائفي والإثني، بلا وازع وطني أو أخلاقي.

في سبيل تحقيق مكاسبهم، يتجاهل الإسلاميون حقائق التاريخ والجغرافيا.

في مصر، يمارسون محاولات تهميش الأقباط، متناسين واقعاً لا يمكن القفز عليه، رغم الشحن الطائفي المتعمد. الأقباط قاعدة اجتماعية مصرية عتيقة، تفرز إسهامات في ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

من غير الممكن للنهضة التونسية القفز إلى الوراء، فوق مجتمع علماني تكرس منهجه الانفتاحي طوال أكثر من نصف قرن، هذا جهد يهدر زمن التونسيين وفرصهم لجهة مستقبل أفضل، ولن يجدي فيه استنفار السلفيين وشحنهم في معركة خاسرة.

هكذا تحول العراق إلى بؤرة للشحن الطائفي، يتشابك فيها الداخل مع الخارج، على نحو يستعصي على الفرز.

هكذا تحولت سوريا إلى مرجل يغلي بكل الشحم الطائفي والمقبلات الإثنية.

أفق الشحن الطائفي المفتوح من بين النهرين إلى ساحل الأبيض المتوسط، أزاح «حزب الله» من عبارة ثورية في القاموس العربي إلى علامة تعجب في متن الأزمة القومية.

هو حال حماس كذلك في القضية الفلسطينية.

هي سيرة النظام السوداني، إذ انتهى به الشحن الطائفي والإثني إلى خسارة ثلث الوطن وثلث الشعب وثلثي الثروة.

 في أتون الشحن الإثني المستمر، والقمع الممارس، والشطط في الإقصاء والاستبداد والتوغل في الفساد، لا يزال السودان مهدداً بالتجزئة.

Email