تعديل كالعدم

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل عُدّلت المبادرة العربية أم لا؟ تلك أحجية جديدة وقعنا فيها بعد اجتماع عدد من الوزراء العرب، يشكّلون لجنة الاتصال العربية الخاصة بعملية السلام، مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وما تلا ذاك الاجتماع من تصريحات صحافية عن قبول لتبادل طفيف للأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ثم تصريحات تدافعت من عواصم عدة تكذّب وتفسّر وتوضّح ما دار في اجتماع واشنطن.

موقف العرب صعب، وهم يبدون عاجزين عن إنجاز أي تقدّم، أو حسم في أي ملف، وفي هذا يدخل الجدل الذي ساد خلال الأسبوع الماضي، وفي هذا يدخل التجاهل الإسرائيلي لما تم التصريح به بعد لقاء وزراء المبادرة العربية مع وزير الخارجية الأميركي. وما يزيد هذه الصعوبة، هو الحماس الذي يبديه جون كيري في مسعى إعادة ضخ الحياة في شرايين عملية التسوية.

ما تتفق عليه التصريحات التابعة لتلك المباحثات، هو أن لا تعديل في المبادرة العربية المقرة في القمة العربية التي احتضنتها العاصمة اللبنانية بيروت قبل 11 عاماً.. وأن أي تعديل لا بدّ أن يمر عبر القمة العربية. لكن بعض الخبثاء يعزون ما جرى من لغط، إلى أمر مقصود من جهة عربية شاركت في الاجتماع الخماسي، وسعي أحد الوزراء المتحدثين في المؤتمر الصحافي إلى خلق هذه الحالة الرمادية، لتتماشى مع قصد أميركي لرمي حجر في مياه التسوية الراكدة.

وما يؤكد أنّ النفي والتوضيح مجرّد مواقف خاصة وليست موقفاً موحداً، أن إسرائيل استغلت هذا التراجع في المواقف العربية، شاء من شاء وأبى من أبى، لتوجيه الصفعات للعالم العربي عبر الصفعات المتتالية للنظام السوري، الذي لا يزال يتصوّر أنّه يقود صف دول الممانعة.. إن بقي منها شَيء.

سواء ذهب الوزراء العرب بمبادرة جديدة أو تفسير جديد للمبادرة القديمة، أو مجرّد جواب لوزير في مؤتمر صحافي أسِيء فهمه، فإنّ العرب مطالبون في قادم الأيام بـ«نفض» الغبار عن مبادرتهم التي باتت طي النسيان وتجاوزتها الأحداث، و«ابتلعتها» الإجراءات الإسرائيلية على الأرض، التي جعلت ما تتحدّث عنه المبادرة مجرد ذكرى وتاريخياً.

أسس هذه المبادرة قوّضتها الاستباحات الإسرائيلية للأراضي، ودقّ الأسافين فيها الجدار الفاصل الذي يتلوّى داخل عمق الأراضي التي تديرها السلطة الفلسطينية، وبات يخنق شرايينها وأوردتها.

والحقيقة التي يجب على العرب الإقرار بها، هي أنّ المبادرة العربية تقادمت.. وأنّ الإدارة الأميركية باتت عاجزة عن قيادة «دفة» عملية السلام، حتى وإنْ كان كيري نشيطاً متحمّساً، فإسرائيل باتت تحدّد ملامح الأجندة الأميركية.. والعرب لم يكونوا فرادى تذروهم الرياح، كما هم اليوم.. ويمكن الجزم أنه لو استدعيت قمة بيروت العربية (2002) من الماضي، وذهب إليها العرب للاتفاق على ذات المبادرة العربية للسلام، المأسوف على شبابها، لما أمكن ذلك.

Email