إعادة صياغة المبادرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

غريب هو أي أمر يرتبط بإسرائيل، بمعنى خروجه عن كل المألوفات السياسية والمنطقية.

هذا العنوان يندرج تحته كل المجريات الحديثة على الأرض السورية، فأروقة الحكم الإسرائيلي تعلن على الملأ "نجاحها" في استهداف شحنة صواريخ سورية كانت في الطريق إلى "حزب الله" اللبناني، بعد "نجاحها" أيضاً في تدمير موقع الكبر النووي والمواقع الكيماوية وقافلة مماثلة جنوب دمشق في السابق، وبعدما كان شعار النظام السوري "نحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب" في انتظار "التوازن الاستراتيجي" الذي خربت البلد تماماً لفرط انتظاره، هذا الشعار استبدل حديثاً بـ "لا علم لنا بمثل هذه الغارة".

الغرابة في مبادرة الجعفري، الممثل لنظام بشار الأسد في الأمم المتحدة، إلى نفي مسؤولية إسرائيل عن الاعتداء على أرض عربية كانت تتخمنا بكونها عنوان "الممانعة" في المنطقة، وهو ما تحظره قوانين المنظمة الدولية التي يتحدث الجعفري من منابرها.

طبعاً، المعظم يعي جيداً أن سوريا لم تعد وطن بشار ونظامه، بل هو ذلك "الغيتو" الساحلي، الذي تعكف أسنة جزاريه على "تطهيره" من أي طائفة أخرى، باستثناء الشبيحة من الطائفة العلوية، يعينه من الجهة الأخرى مقاتلو حزب الله، ولا داعي للاكتراث لو حرثت الطائرات الإسرائيلية كل ما حول هذا "الغيتو".

على جبهة أخرى، تتواصل الغرائبيات الإسرائيلية على المسار الفلسطيني. تحركت دبلوماسية وزير الخارجية الأميركي جون كيري في الآونة الأخيرة، لتنشيط مسار المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، كان آخر فصول هذا التحرك جمع ممثلي مبادرة السلام العربية في واشنطن.

سارع بعض وسائل الإعلام إلى التهليل لـ "تطور" سياسي في هذا الملف، بعنوان قبول عربي لفكرة تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكأن الاجترار قدر هذا المسار، ولا سيما أن التاريخ الحديث لم تخفت تفاصيله بعد، ونعرف جيداً أن تبادل الأراضي بالفعل بند أشبع على مائدة المفاوضات منذ الرئيس الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد، ومن بعد في طابا، وعلق هذا البند في شباك الخلاف على حجم الأراضي المقترح تبادلها، ونوعية وموقع هذه الأراضي، حيث رفض المفاوض الفلسطيني مبادلة أراضي المستوطنات الرئيسة في الضفة الغربية، برمال الخالصة، وإصراره على نسبة واحد إلى واحد، التي كان أرييل شارون تحديداً يريدها واحداً مقابل عشرة، بدعوى ضيق الأراضي المفترض بلورة حدود دولة إسرائيل عليها نهائياً.

إذن، هو ليس تطوراً، باستثناء تراخي بند المبادرة العربية الخاص بانسحاب الاحتلال من كل الأراضي المحتلة عام 1967، والأخذ بعين الاعتبار مبادلة الأراضي، لكن بجعلها ذات جدوى.

الأخطر حقيقة، هو مساعي كيري لبلورة مظلة عربية للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كبديل للجنة الرباعية الدولية، وتحت هذه المظلة، تسريع عملية التطبيع، على خلاف ما ورد في المبادرة العربية التي وضعته لاحقاً للانسحاب الإسرائيلي الكامل، لا سابقاً له.

بعد عودة خطوط الاتصال بين بنيامين نتنياهو ورجب طيب أردوغان، وبعد وصول "الإخوان المسلمين" إلى الحكم في أكبر دولة عربية هي مصر، والتحالف الناشئ بين الجماعة هذه والأميركيين، لم تعد هناك مراكز قوى تعادل اعوجاج ميزان القوى، ولا كابح تالياً لكيري لإعادة صياغة المبادرة العربية.. أو بعض بنودها الجوهرية.

Email