هدوء مريب

ت + ت - الحجم الطبيعي

هدوء حد الموات في السياسة الأميركية الخارجية، تقابله سخونة حد الانفجار في الشرق الأوسط. ليست مفارقة ولا هي غريبة على عالم ينحشر في رقعة شطرنج، فيها جنود وخيول وقلاع وملوك، والأهم أياد تحرك، فتخسر أو تفوز، تاركة سكان الرقعة طريحي حوافها.

تسويف واضح في السياسة الأميركية تجاه سوريا، بعدما ثبت أن باراك أوباما في ولايته الثانية أقل حزماً في تصريحاته. كان استخدام السلاح الكيماوي من قبل نظام بشار الأسد في سوريا خطاً أحمر، وبعدما تسربت أدلة عن استخدام هذه الأسلحة ضد مدنيين ومسلحين على السواء، بقي هذا خطاً أحمر أيضاً لدى أوباما، لكنه ليس بالحمرة الكافية للتحرك، بل يحتاج إلى الكثير من صبغة الدم.

فبينما كان وزير دفاعه تشاك هاغل يعلنها صراحة: أدلة على استخدام نظام بشار الأسلحة الكيماوية مرتين.. كان رئيسه أوباما يدلي بتصريحات لدى لقائه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، مفادها أن هناك "مستويات" من الأدلة على هذه الجريمة، لكنه في حاجة إلى "تقييم حازم" وقاطع على ذلك، وهو أشبه بالأحجيات الذرائعية.

أما وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فقد تحرك في اتجاه الكونغرس، لبحث سيناريوهات الرد على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، وهناك من الأروقة تسرب حصر الرد في احتمالين: الأول فرض منطقة حظر طيران في سوريا، أما الخيار الثاني فهو تسليح المعارضة السورية.

لا يخفى بالطبع أن سلاح الطيران لدى النظام السوري فقد الكثير من قدرته، لحاجته الماسة إلى قطع الغيار وعمليات الصيانة اليومية، فضلا عن امتلاك المعارضة صواريخ مضادة للطيران تمكنت بالفعل من تحييده في مناطق حلب، وتالياً فإن الخيار الأميركي بشأن حظر الطيران في الواقع متأخر جداً، ولا يغير كثيراً في موازين القوة.

أما تسليح المعارضة السورية، فهو أيضاً خيار عبثي، لأن ما ينقصها ليست مجموعة بنادق وسترات واقية من الرصاص، بل أسلحة نوعية ثقيلة، والأهم صواريخ مضادة لـ"سكاد" التي استبدلها النظام بالطائرات الحربية، وباتت تدك الحجر والبشر من دون تمييز.

فهل يسمح "لوبي" إسرائيل في الكونغرس بوصول مثل هذه الأسلحة للمعارضة السورية، في ظل تهديد إسرائيل بالتحرك المنفرد حال وصول أسلحة كيماوية إلى هذه المعارضة؟

إذن، لا تحرك أميركياً حازماً في الأزمة السورية، إلا إذا كان المعلن غير الذي يجري في الخفاء، وإلا إذا انهار النظام فجأة ليسارع العم سام إلى رعاية المعارضة والنظام الجديد في سوريا.

في مقابل الهدوء الأميركي، تتسارع نذر حرب طائفية ماحقة، بدءاً من شيعة حزب الله في القصير السنية الحمصية، ومروراً بجيشي العشائر والرمادي وقوات نوري المالكي في العراق. الطريف أن المالكي حذر من أن الطائفية تعود إلى العراق من البوابة السورية، وكأن البوابة العراقية كانت مقفلة في وجه الأزمة السورية، حتى فرض على نظامه تفتيش الطائرات الإيرانية المتوجهة إلى دمشق، بينما كشف هجوم عن توغل قوات سورية داخل العراق لمطاردة المعارضين.

ماذا يفسر الهدوء الأميركي غير الرضى؟!

Email