الدرس المستفاد في قبرص

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعطت الأزمة المالية التي ضربت قبرص مؤخراً، مثالاً واضحاً لتأثيرات الأموال الروسية الهاربة سلباً، والتي يمكن أن تدمر اقتصاداً بأكمله، فضلاً عن الفشل الذريع للسياسة الاقتصادية التي ما زال حكام الكرملين يتبعونها منذ أعوام طويلة.

استثمرت موسكو في العلاقات التاريخية الوثيقة مع نيقوسيا، بطريقةٍ تحولت إلى عبءٍ يثقل كاهل الجزيرة القبرصية، حيث باتت الوجهة المفضلة لأموالٍ روسية مشكوك في مصدرها، حجمها المعلن يتجاوز 72 مليار دولار، وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء، الأول مملوك لمصارف روسية، والثاني قروض مصرفية تعود ملكيتها الفعلية إلى رجال أعمال روس، والثالث منبعه أوليغارشية ما بعد الاتحاد السوفييتي، الذين أسسوا شركات وهمية «قشرية» ترجع إلى روسيا كاستثمارات أجنبية، وهو ما يعني بالتالي تحايلاً واضحاً.

أوصلت تلك الأموال القطاع المصرفي في قبرص إلى حافة الهاوية، التي أبعدتها عن حزمة الإنقاذ الأوروبية المشفوعة بالصرامة الألمانية، التي أرسلت أكثر من رسالة إلى موسكو تحذرها من نهش اقتصاد اليورو القبرصي الجريح أكثر فأكثر، خاصة أن روسيا كانت قدمت قرضاً بـ2.5 مليار دولار في 2011 ساهم في تعميق الأزمة، بالتوازي مع تكشف نوايا التغول من خلال العرض المفخخ من «غازبروم بنك»، التابع لعملاق الغاز الروسي، الذي عرض مساعدة مالية مقابل امتيازات لإنتاج الغاز الطبيعي قبالة سواحل قبرص.

والواقع أن تلك الأموال الروسية ما كانت لتنشأ أو تهرب لو لم يفشل تطبيق مفهوم دولة القانون في موسكو، من جهة، وتخشى رؤوس الأموال على نفسها من بيئة طاردة للأمان الاستثماري من جهة أخرى، في ظل اتجاه الكرملين المتزايد للتفرد في الحكم.

والحال أن تحميل مسؤولية الأزمة المالية في قبرص إلى الانكشاف على نظيرتها اليونانية، بسبب استثمار بعض المصارف القبرصية في السندات اليونانية، يبدو كمن يتهم النتيجة بدلاً من أن يبحث عن السبب.

فالأموال الروسية المتدفقة بوفرة كبيرة على المصارف القبرصية، شجعت تلك المصارف على شراء السندات اليونانية، قبل أن تنخفض قيمتها في إطار الحل الأوروبي للأزمة المالية في اليونان. وعليه، يمكن اعتبار أن تلك الأموال الروسية لم تشعل أزمة قبرص فحسب، بل زادت كذلك من متاعب أثينا التي لربما كانت حلت مسألة انخفاض قيمة سنداتها مع جارتها بطريقةٍ مختلفة، لو لم تقع الجزيرة المتوسطية أسيرة الودائع الروسية.

وفي وقت تتعافى اليونان من آثار أزمتها المالية، بعودة عائدات السياحة إلى أرقام ما قبل الأزمة، والاستقرار السياسي الملحوظ، يبدو الطريق طويلاً أمام القبارصة الذين قد يكفون من الآن فصاعداً عن إطلاق اسم «ليماسول غراد» على مدينة ليماسول، كما اعتادوا، تقرباً من موسكو.

والمؤكد أن الدرس المستفاد من كل ما حدث، يتلخص في ضرورة عدم الانخداع ببريق المال الروسي، أو الارتكان إلى إغراءات أذرع موسكو الاقتصادية، التي ما فتئت تتمدد كحصيلة للمعادلة القائلة؛ إن أي دولة في العالم وجدت فائضاً من القوة لديها صدرته إلى الخارج.

 

Email