ضرورة مكافحة الفساد

ت + ت - الحجم الطبيعي

دعت الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، في ختام مؤتمر لها قبل أيام في العاصمة اللبنانية، الحكومات العربية والبرلمانات والمؤسسات والهيئات، إلى بناء شراكة حقيقية لمواجهة آفة الفساد، وهذه باتت بحق آفة تستحق تضافر الجهود لمكافحتها وشن حرب عليها.

ويُعدّ انتشار الفساد في الدول العربية من أبرز التحديات التي تهدّد السلم الاجتماعي، وتئد عمليات الإصلاح والتنمية فيها، بل إنّ سوس الفساد استشرى في بعض الدول العربية حد تخطيها حد الفساد الفردي إلى فساد مؤسسي، رغم وجود اتفاقية أممية لمكافحة الفساد، ترسم خريطة الإصلاحات القانونية الواجبة للوقاية من الممارسات الفاسدة ومعاقبة مرتكبيها، ومع ذلك فكثير من الدول الموقّعة على هذه الاتفاقية ينخرها الفساد، رغم أن في بعضها هيئات متخصصة لمكافحته!

وهنا، لا بدّ من استعراض ما عانته وما تعانيه الدول التي مرّ عليها "الربيع العربي"، فرغم مرور عامين وأكثر على سقوط بعض الأنظمة، إلاّ أن استرداد الأموال المهرّبة لا يزال دونه الكثير من العراقيل. وهذا دليل آخر على أنّ منظومة الفساد باتت عابرة للقارات، وبات الفساد والفاسدون، ومن خلفهم المفسدون، يبتكرون الأساليب للتملص من حملات المكافحة. والأكيد أنّ تحقيق المزيد من التقدم في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، يحتاج إلى عمل حثيث لإيجاد مناخ عام تسود فيه الحريات وتحترم فيه حقوق الإنسان.

بات الفساد إحدى أشد قضايا العصر خطورة، وأحد عوائق التنمية، بل يمكن اعتباره معول هدم لاستقرار المجتمعات.. وهنا، تجب الإشارة إلى ما ورد في أحد تقارير الأمم المتحدة، والذي يفيد بأنّ الدول النامية فقدت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (بين 2000 و2010)، ما يربو على ثمانية تريليونات دولار.. في حين تقدّر إحدى الدراسات أنّ الأموال المسروقة تحت مظلة الفساد المالي كل عام في عالمنا، تكفي لإطعام 80 ضعفاً من مجموع الجياع في العالم.

لا شك البتة في أنّ الفساد، الذي يؤسفنا أنّه بات مقونناً، كالفيروس، سهلُ الانتشار صعبُ التعافي، وخاصة إذا كان متغلغلاً في هياكل الدولة، وبات نمط عمل وأسلوب حياة.. فحينها يكون كالسرطان الذي لا شفاء منه. لذا فإن المقولة الفضلى في هذا المقام: "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، إذ يجب على الحكومات القضاء على المحسوبية والواسطة والرشوة المغلّفة، وتغليظ العقوبات الرادعة لتطهير السلك الحكومي، والعمل على استئصال شأفة هذا الداء، عبر التأسيس للشفافية وجعلها منهج عمل.

وما يرعب في هذا الشأن، هو أنّ الدراسات تشير إلى أنّ ثلث الفساد «يعشعش» في البلاد العربية. صحيح أنّ درجة ابتلاء الدول العربية بهذا الداء تختلف من دولة إلى أخرى، ولكن في أجواء العولمة التي تجتاح كل شيء، بدءاً من التجارة والاقتصاد وصولاً إلى إنفلونزا الطيور، حريٌّ بالحكومات أن تخلق وسيلة ما من التعاون والتنسيق والرصد، لمكافحة هذه الآفة التي باتت عابرة للقارات، وباتت لها جِنان في العديد من البقاع.

 

Email