تعويم الفشل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليست مفارقة أو اجتراح ملهاة في خضم المأساة، بقدر ما هي تعبير صارخ عن خلط مقصود للمفاهيم حد الفوضى، لإعادة تعريف أبسط ما اصطلح عليه في علم السياسة: فصل السلطات. تجلى ذلك من دون تأويلات، بخروج جماهير جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر بتظاهرات رفعت شعار «تطهير القضاء»، الأمر الذي أثار تندر الفقه السياسي المعتاد، وطرح السؤال: كيف تتظاهر السلطة للمطالبة بالسلطة؟

منبع الغرابة في التحرك «الإخواني» هذا، هو أن سلطة الرئاسة في يد الجماعة وبتفويض جماهيري عبر صناديق الاقتراع، وكذا السلطة التشريعية، وتحديداً النواب الذين هم ممثلو الشعب، والذين أيضاً احتلوا مقاعدهم بتفويض صناديق الانتخاب.. إذاً، سلطتان تشريعية وتنفيذية في يد «الإخوان»، فما الذي يمنعهم من «تطهير القضاء» وتغيير كل مجالس هذه السلطة التي بقيت في منأى عن قبضتهم؟

لا يحتاج الأمر إلى تظاهرات واشتباكات وإصابة العشرات، فقط قرارات تنفيذية بمصادقات تشريعية.

لكن الأمر في مصر أكثر تعقيداً، بعد معضلة الإعلان الدستوري الأحادي، وتركيز مسودة الدستور على صلاحيات رئاسية تمكن الجماعة من الإمساك بزمام السلطة المطلقة، بدل التصدي لإعادة ترتيب البيت الداخلي ديمقراطياً، والفصل الواضح بين السلطات، بعد التحديد الأوضح لصلاحياتها، وهو ما أبقى على غموض تبعية وصلاحية المحكمة الدستورية العليا مثلاً، اللهم إلا إن كان لدى خبراء القانون دحض لذلك.

السلطة القضائية بالذات هي المستهدفة «إخوانياً» حالياً، على أمل حشد رأي عام داعم لسيطرة الجماعة عليها، بعد السلطتين التشريعية والتنفيذية، لتكتمل الدائرة.. دائرة الاستئثار بالسلطة وإقصاء جميع الفرقاء، ليتدثر الاستبداد بلبوس ديني هذه المرة، وتخضع أرض الكنانة لحقبة جديدة لم يتغير فيها سوى الأسماء والعناوين.

لكن عوداً على السؤال عن مغزى خروج السلطة بتظاهرات للمطالبة بصلاحيات مثلاً.. «كتاب إنجازات» الجماعة في مصر خال، فضلاً عن خواء الرؤية السياسية داخلياً وخارجياً، فمصر تتراجع رويداً رويداً في ظل الحكم الجديد، على كل الصعد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بينما السياسة الخارجية لم تشهد تخبطاً في تاريخها كما هو الآن، سواء لجهة التباس العلاقة مع إيران من جهة وتركيا من الجهة الأخرى، والمصالحة الفلسطينية، والأهم الموقف مما يجري في المحيط العربي، وتحديداً في سوريا.

فبعد تكرار المناداة «الإخوانية» المصرية بإطاحة حكم بشار الأسد، ها هو الرئيس محمد مرسي يزور موسكو الداعم الأكبر لبشار، ويطالب الكرملين بحل سياسي تفاوضي لإنهاء الأزمة السورية، تاركاً شعاراته الخاصة بدعم الثورة فيها معلقة على جدار يخفي الأهم: ضعف «إخوان» سوريا وعجزهم عن أن يكونوا بديلاً لنظام بشار، يحط من حماسة الجماعة لتغييره.

 أمام هذا الخواء في الإنجازات، لا مناص من نفس اللعبة التي تتقنها الجماعة: تعليق الفشل على الآخر، أياً كان، وهذه المرة على المعارضة المصرية. تخرج تظاهرات «الإخوان» لتقول للمصريين «الغلابة»: نعم نحن في الحكم، لكن هناك قوى تعطل عملنا وتمنعنا من الإنجاز! كل ما يفعله «الإخوان» محاولة لإعادة تعويم جماعتهم، للنجاة من الفشل المحكم.

 

Email