فضيلة الاختلاف والاحترام

ت + ت - الحجم الطبيعي

إعفاء الدكتور غازي صلاح الدين العتباني من رئاسة الكتلة البرلمانية للمؤتمر الحاكم في الخرطوم، يحدث صدى في المشهد السياسي السوداني. ثمة تعاطف مع الرجل من داخل المؤتمر وخارجه. العتباني ينتمي إلى فئة نادرة في الطبقة السياسية السودانية.

أولئك هم الساسة المفكرون. بغض النظر عن التباين الايديولوجي أو التوافق معه، ينتزع العتباني احترامك حتماً. المفكرون في المشهد السياسي مستهدفون من قبل الساسة الهواة الجوالين والسماسرة. هؤلاء هم الغالبية على خشبة المسرح السوداني.

إعفاء الدكتور العتباني من زعامة الأغلبية البرلمانية، لا يشكل في حد ذاته حدثاً مباغتاً. الإجراء الفوقي يفصح عن ثقل موازين أحد الأجنحة المصطرعة داخل الحزب الحاكم.

الزعيم البرلماني وجه انتقادات مبطنة تجاه الجناح الداعم لتمديد ولاية البشير الرئاسية الثانية. العتباني ارتكز في رفضه إلى النصوص الدستورية، غير أنه ينطلق في الوقت نفسه من نهجه الإصلاحي.

المباغتة تكمن في صدور قرار الإعفاء ضحى مبادرة الرئيس السوداني ونائبه، المتمثلة في دعوة المعارضة المدنية والمسلحة إلى حوار يكرس الوحدة الوطنية. عزل العتباني يشكك في صدقية المبادرة على قدر ما يعبِّر عن ضيق صدر النظام برؤى قيادييه. ذلك سلوك يطرح سؤالاً ملحاً عن مدى قدرة النظام على احتمال رؤى خصومه ومعارضيه.

هو السلوك الملتبس نفسه حينما اعتقلت أجهزة الأمن مراسل «الجزيرة» غداة إطلاق سبعة من المعتقلين السياسيين تحت مظلة المبادرة الرئاسية نفسها. الموقفان الملتبسان لا يعززان ثقة المعارضة في قدرة النظام على تغيير طبعه الشمولي الإقصائي.

الدكتور العتباني على قناعة بضرورة ضخ دماء جديدة في دماغ النظام وجسده، لكنه أبعد ما يكون عن إحداث انشقاق حزبي، في سياق انتمائه الإسلامي القح. هو يريد إصلاحاً من الداخل، لكنه يائس في الوقت نفسه من إمكانية إنجاز ذلك.

هذا التناقض يمثل كعب أخيل شخصية العتباني، إذ هو ينتظر الذي لن يأتي.بعدما نكص عن الترشح لأمانة الحركة الإسلامية عندما أدرك التواطؤ ضده إبان مؤتمر الحركة، كتب مقالاً سياسياً طاعناً في الفكر والبلاغة.

ذلك موقف ناقض تماماً حديثه التوافقي في جلسة المؤتمر، حينما انتقد تباعد الموقفين عن ظرفيهما الزماني والمكاني، أجاب معترفاً ومبرراً ذلك التناقض بعجزه عن تغليب طبع السياسي على طبيعة المفكر في شخصيته.

ذلك التناقض بين المفكر والسياسي يجعل الدكتور غازي العتباني يرى في تحقيق الوحدة الوطنية ضريبة واجبة السداد من قبل النظام الحاكم. من دون تقديم تنازلات من قبل النظام، لن تتحقق وحدة وطنية. «هل نحن جاهزون ومستعدون لدفع تلك الضريبة؟» هكذا تساءل العتباني أكثر من مرة.من ألوان التناقض بين المفكر والسياسي في نسيج غازي، موقفه تجاه نيفاشا.

على الرغم من نقده الشرس المبكر للاتفاقية، لم يفصح الرجل عن كل رؤاه إزاء «واحدة من أكثر الاتفاقيات غباءً في تاريخ السودان»! العتباني اكتفى بما قال في نيفاشا، حفاظا على موقف الحركة الإسلامية القابضة على السلطة.

تجريد العتباني من مكانته الدستورية القائدة لن يعبر أوساط الحزب الحاكم من دون رد فعل. الإجراء يترك غصة في حلق الرجل ووجعاً في القلب. حفاظاً على صورته داخل الحركة الإسلامية، يفضل الرجل مغادرة الحزب إلى مؤسسة أكاديمية في الغالب. بخروج الرجل أفقد شخصياً صديقي الوحيد داخل النظام.

 

Email