المطلوب حذر تركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يبدو الاهتمام الأميركي بمصالحة تركيا وإسرائيل مفهوماً، ولكن «مغازلة» الإدارة الأميركية للأتراك بأنّ أمامهم دوراً للعبه في عملية السلام وفرض الاستقرار في المنطقة، يبقى محل علامة استفهام كبيرة. فمحاولة الإدارة الأميركية «توكيل» القيادة التركية الخوض في ملفات المنطقة نيابة عنها أو إيعازاً منها، يجب ألا يخدع الأتراك ولا يخدعنا..

والفائدة الوحيدة من هكذا إشارة، هي كشف وجه وحقيقة موقف إسرائيل من تركيا، إذ سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى استبعاد أن تؤدي تركيا أي دور لإعادة إحياء محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، على النحو الذي اقترحه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يبدو أنّه عاد إلى المنطقة من جديد خالي الوفاض.

قبل سنوات كتبنا عن مسعى أميركي لاستنساخ «الديمقراطية التركية» ونموذج الإسلام المعتدل لإطاره التركي، ونتمنى ألاّ يكون ما دهم العالم العربي خلال العامين الماضيين هو التطبيق لتلك الفكرة.. لأنّ التجربة التركية حالة متفرّدة، استفادت من أجواء عامة وتقاليد راسخة لا يمكن استنساخها في أي من دول عالمنا العربي.. حتى لو نطقت المسلسلات التركية التي أغرقت شاشاته بالعربي.

المسعى الأميركي حول إمكان أن تؤدي تركيا دوراً في عملية السلام في الشرق الأوسط، فكرة جيدة حتى لا يبقى الطرف الفلسطيني وحيداً في غابة الذئاب، مكشوفاً في ساحة اللجنة الرباعية، ولكن ما نحبّذه أن «تزوغ» عيون تركيا وقيادتها على مقترح «لعب دور في حفظ استقرار المنطقة».. فهذا مصطلح فضفاض، وأعتقد أنّه غير بريء، هدفه إدخال تركيا في مستنقع أزمات.

التجربة التركية، بشقيها الاقتصادي والسياسي، في أبهى صورها، وعلى القيادة التركية أن تعمل على تنميتها وترقيتها، وذلك بالبعد عن المغامرات غير المحسوبة.. وبالتأكيد عدم الانجرار وراء المهام الأميركية البراقة. ما فعلته إسرائيل تجاه «مرمرة» في العام 2010، وما انتهجته من سياسات خلال الـ20 شهراً الماضية من تعنت ورفض اعتذار، يعطي أكبر دليل على الموقف، وأيضاً على العنجهية والغطرسة. ولولا الضغط الأميركي، المدفوع بمصالح ما، ربّما ما عبّر عنه كيري في إسطنبول، لما تراجعت إسرائيل عن موقفها الرافض للاعتراف بالقرصنة والجريمة التي ارتكبت في عرض البحر.

ليس المطلوب من تركيا أن تقدّم المصالح العربية أو المصالح الفلسطينية على مصالحها، ولكن عليها أن ترسم هذه المصالح بما لا يضر بمصالح العرب، وبمصالحها مع العرب، حتى لو كان هواها أوروبياً أو عربياً.. فهذا هو العمق الاستراتيجي، وهذا هو المخزون الثقافي.. بل وربّما، إن هي أحسنت إدارة هذا الملف، المخزون والرصيد الاقتصادي..

ولتركيا دروس وعِبَر من الثمار التي جنتها حين فتحت ذراعيها للعرب، بعدما أدركت أن أوروبا موصدة في وجهها، حتى لو كانت تعيش على أرضها وفي قلبها.

 

Email