في مسألة البوطي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أَكثرُ من 160سورياً قضوا بقذائف النظام المحتل في دمشق ورصاصه، نهار الخميس الماضي، بينهم نساءٌ وأَطفال، وبعضُهم راحوا في عدوان قواته على مستشفىً ميدانيٍّ جنوب دمشق. مساءً، قُتل الداعية البارز الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وحفيده و48 آخرون، في مسجدٍ، في جريمةٍ إِرهابيةٍ، إِذا صحَّت نسبتُها إِلى ثوارٍ من ذوي النزوعِ التكفيريِّ المتشدد، فهذا يُضاعف من أَسباب إِدانتها، سيّما وأّنَّ قصفَ المساجد واستباحتَها.

وتدميرَها جزئياً أَو كلياً، نهجٌ يُواصِله النظام بهمّةٍ ملحوظة، فقد استهدفَ، منذ بدأَ حربَه ضد العباد والبلاد قبل أَزيد من عامين، 740 مسجداً. وكان طيِّباً لو توالت إِداناتٌ مستنكرةٌ للجريمةِ من الأَزهر والمؤسسات الإسلامية، وجاءَت على تهديم النظام السوري المساجد وقصفها، في عدوانه المتواصل على الشعب السوري الذي يناضلُ للتحرّر من آل الأسد.

محزنٌ أَنَّ التعاطف مع الشيخ البوطي كان قليلاً بين السوريين والعرب، ما لا يعودُ إِلى افتراضِ أَنَّ المشاعر الإنسانية لدى أولئك الملايين منقوصة، بل هو الخرابُ السوريُّ المهول، والذي يقضي فيه العشرات، يومياً، في اقتتالٍ لا يريدُ نظام دمشق إِنهاءَه بالرحيل عن السلطة. وكذلك ثمّة توظيفُ البوطي نفسَه.

وهو عالم الدين، في نصرةِ نظام الاستبداد والفساد والطغيان في بلادِه، ما أَشاعَ قناعةً بأَنَّه قتل نفسَه، أَو ساقَ شخصَه إِلى أَنْ يقضي في عملية اغتيالٍ من طرازٍ لا تجوزُ اللعثمة في تجريمِه، أَياً كان مرتكبُه.

ظلَّ الفقيه الكبير يُشنِّع على الثوار والمتظاهرين السوريين في خُطبه ودروسِه وتصريحاته، فتلفَّظ بأَنَّ "جباهَهم لا تعرفُ الصلاة"، وزعمَ أَنَّ بشار الأسد وجنودَه وضباطه في "جهادِهم" ضد الإرهاب والتآمر، لا يقلون منزلةً وأجراً عن صحابةِ رسول الله الذين تصدّوا للردّة. وفي أَرشيفِه أَنَّ حافظ الأسد صاحبُ مواقف تصدرُ عن إِلهامٍ ربّاني.

فيما وريثه في قصر المهاجرين معينٌ لا ينضب، أَما باسل الأَسد فشهيدٌ بكت عليه السماء، قال البوطي إِنه رآه في الجنة. وبدا حماسُه في التحريض ضد الثوار من مواطنيه بمثابة "فتوى مفتوحة"، بتعبير زميلٍ نابه، لاستهدافهم بالسلاح، وهو الذي رأى أَنَّ التاريخ لم يشهد مؤامرةً على الأمة بحجم ما تتعرَّض له سوريا الآن، بما فيها حروب الصليبيين والتتار على بلاد المسلمين.

المؤسفُ في مسألة الشيخ أَنه فيما دأَب، طويلاً، على التحذير من تسييس الدين، اختار أَنْ يصطفَّ، بكلِّ اعتبارِه الاجتماعيِّ، بمعنىً سياسيٍّ، مع نظام الأَسد الأَب والابن، في توظيفٍ منهما مكانتَه العلمية في الحجرِ المديدِ على الشعب السوري، وسلبِه حقوقه في الحرية والكرامة، حتى إِذا هبَّت الانتفاضةُ، ثم المقاومةُ المسلحة الراهنة، ارتضى، رحمه الله، أَنْ يكونَ غطاءً دينياً للحلِّ العسكري الذي مضى فيه النظام، فراحت سوريا إِلى ما نشهدُ، مما في أُتونِه قضى صاحبُ كتاب "المصلحة في الفقه الإسلامي"، في جريمةٍ نشتهي كشفَ التباساتِها، ولو بعد حين.

 

Email