لماذا نصدق دائما؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاد الرئيس الأميركي باراك أوباما من جولته الأخيرة في إسرائيل وبيت لحم (لا رام الله)، والأردن. بالتأكيد هو عاد بما أراد، بينما نحن ما زلنا حيارى في ما نريد.

لم ترافق جولة أوباما هذه بهرجة إعلامية؛ لا أميركية ولا عربية، حتى أن خبر تعطل سيارته المدرعة بسبب خطأ السائق في نوعية الوقود، طغى على مجريات الزيارة، وكأن الإعلام العربي والأميركي اتفقا على الستر!

الجولات الدبلوماسية عادة ما تصاحبها آلة إعلامية وأبواق صادحة، بما أن أهميتها لا تتعدى حدث الزيارة نفسه، لكن زيارة أقوى رئيس في العالم إلى بؤرة الصراع في شرق المتوسط، يفترض أن تكون موضوع ترقب لما في جعبتها، فيتوالى المحللون على توقع النتائج بعد رصد المقدمات. ما حدث غير ذلك، بل إنها لم تتقدم نشرات الأخبار إلا في لحظة الوصول، وانزاحت لمصلحة ملفات متفجرة، كسوريا ومصر، وتصريحات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

نتائج جولة أوباما: تكرار التمسك بأمن إسرائيل والتركيز على يهوديتها، مطالبة نصف صريحة بسرعة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، والأهم بالطبع رعاية الاتصال الهاتفي بين بنيامين نتانياهو ورجب طيب أردوغان، الذي ورد فيه اعتذار إسرائيل عن اقتحام سفينة مرمرة التركية والبطش بمن فيها.

هذا الاتصال سارع أردوغان إلى تلميعه إعلاميا، حتى عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، علاوة على شرح مغازيه وتدعيم موقف أنقرة بقبول هذا الاعتذار مقدمة لعودة المياه إلى مجاريها، من خلال إبراز استجابة نتانياهو لمطلب أردوغان بفك الحصار "الإنساني"، عن المناطق الفلسطينية المحتلة والمحاصرة.

هذا بالضبط ما أراده أوباما، ولم يعر أي انتباه للاحتلال الإسرائيلي، رغم التحذيرات الاستخبارية الإسرائيلية المتتالية من قرب اندلاع انتفاضة ثالثة عنوانها الأسرى، ذلك أن هناك ملفات عاجلة بالنسبة للبيت الأبيض ينبغي التحضير لها، وفي وسع الفلسطينيين التلهي باللعبة التي أتقنوها ردحا: الانتظار.

الملف العاجل كان أوباما أفصح عنه في لقاء مع التلفزيون الإسرائيلي قبيل الزيارة: "أمام إيران سنة فقط لامتلاك القنبلة النووية". وعليه فإن الرد الأميركي يبدأ بتهيئة المناخ السياسي قبل العسكري، وليس أكثر إلحاحا في هذه التهيئة من إعادة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق تحالفها العسكري والاستخباري. الطريق إلى طهران يمر أميركيا بدمشق، لعزل آخر حلفاء قم ومحاصرة ذراعها (حزب الله اللبناني) بقطع طريق الإمدادات، وكل هذا لا يمكن تحققه من دون الحلف التركي الإسرائيلي.

إذن، لماذا انفعل أردوغان وانسحب من جلسة مؤتمر دافوس قبل نحو سنتين، اعتراضا على حصار غزة وتسجيله موقفا ثوريا على شيمون بيريز؟

مدرسة أردوغان الإيديولوجية والسياسية التي يمكن مقاربتها بالـ"إخوانية"، لا تضيرها مخالفة الشعار للفعل، وفي البال تهديداته لبشار: "لن نسمح بتكرار مجزرة حماة"، وها هي حتى الصواريخ الكيماوية تضيء سماء سوريا بعد أكثر من مئة ألف قتيل، وها هو الموقف العقائدي من إسرائيل يتبخر بمكالمة هاتفية.

بالتأكيد لا نلوم لا أردوغان ولا أوباما، فقط نلوم أنفسنا لأننا دائما نصدق.

 

Email