عن الحوار اليمني

ت + ت - الحجم الطبيعي

أَنْ يكون النجاح خياراً وحيداً لمؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن، كما قال في افتتاحه، الاثنين الماضي، الرئيس عبدربه منصور هادي، فذلك ما هو مشتهى ختام جولاتِ هذا الحوار، بعد أَزيد من شهرين.

ولما استهلك اليمنيون في الحكم، وبعونٍ كثيرٍ من الأمم المتحدة، وإِسنادٍ من الأَمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، شهوراً في الإعداد للمؤتمر، فإِنَّ توقع النجاح المأمول يصيرُ في محله، ولمّا اختير 565 مشاركاً في الحوار من قوى وتشكيلات وأَحزابٍ وهيئاتٍ متنوعة، فإِنَّ في وسع المرء، أَمام هذا العدد الكبير، وذلك الإعداد الطويل، والأسابيع الكثيرة لمداولاته، أَنْ يُخمّن النجاحَ المتوخى، خياراً وحيداً، على ما أَحسن الرئيس هادي التعبير.

يبسُط ُالمتابعُ الدؤوبُ لإشكالاتِ اليمن العويصة، وترتيباتِ الحوار الذي جاءَت عليه مبادرة التسوية السياسية في هذا البلد، يبسط تمنّيه هذا، مع تحسبٍ مسوَّغٍ من إِخفاقٍ قد يؤولُ إِليه الحوار، بالنظر إِلى أَنَّ حراكاتٍ وازنةً تغيب عنه، وأَنَّ قوىً فاعلةً في جنوب البلاد ترفضُه، عدا أَن رئيس الوزراء، محمد سالم باسندوة، آثر الغياب عن افتتاحِه، تحفظاً، كما أَنَّ شخصياتٍ لها تقديرُها في الفضاءِ المدني والسياسي العام اختارَت النأْيَ بنفسِها عن الحوار، ومنها حائزة ثلث جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان.

ما قد يُطمئن، ويجعل لانتظار نجاح الحوار اليمني مطرحه في خريطةِ هذا السجال، أَنه ينفتحُ على كل قضايا اليمن، وأَنَّ المشرفين عليه لا ينفكّون يُؤكدون إِرادةً وطنيةً حاضرةً، وترقباً دولياً كبيراً، من أَجل أَنْ تمضي عمليةُ بناءِ دولةِ اليمن الجديد، يُؤمن دستورٌ جديدٌ لها آلياتِ حكمٍ شفاف، مؤسساته متينةٌ في الإدارة والتخطيط والتسيير، وكذا في الرقابة والمحاسبة، ويتوافر على قوانين وتشريعاتٍ تُمكِّن اليمنيين من تمثيل أَنفسِهم في السلطةِ والبرلمان، ومن التعبير عن أَشواقهم وتطلعاتهم في فضاءٍ سياسيٍّ ومدنيٍّ حر، في دولةٍ معافاةٍ من الاحتقانات السياسية، قادرةٍ على تثمير إِمكاناتها، وتطوير قدراتِها الذاتية، من أَجل النهوض بعمليةٍ تنموية واقتصاديةٍ ناجعة.

وإِذ يُشدّد الرئيس هادي على أَنَّ مسألة الجنوب مركزيةٌ في مداولات الحوار، وأَن حلها مفتاحُ عقدٍ اجتماعيٍّ في اليمن كله، فإِنَّ لنا أَنْ نتوخّى جدّيةً عمليةً في الذهاب إِلى أَقصى ممكنات الحلول العميقة لهذه المسألة، التي صارت أَصواتُ الجنوبيين في أُتونها عالية، حين تُطالب، صراحةً، بالانفصال في دولةٍ مستقلة، وحين يصل التعبيرُ عن ذلك إلى الحديث عن «تحرير» من احتلال الشمال.

إِنهاءُ الغبن في الجنوب، وتضميد الجراح في صعدة، وبناءُ القوات المسلحة، وإِنجاز دستورٍ جديد، تتم بموجبه انتخاباتٌ رئاسيةٌ ونيابيةٌ العام المقبل، والتنميةُ الاقتصادية..

بعضُ قضايا الحوار اليمني، وإِذا ما ذهب أَهل الكفاءة والخبرة في مداولاتهم فيه بشأنها، متخففين من الحمولاتِ السياسيةِ إِياها، فإِن اليمن السعيد والكبير لن يبقى شعاراً، بل يصيرُ حقيقةً في بلدٍ قال القدامى عنه، إِنَّ الحكمةَ يمانية.

 

Email