لقاء ميونخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقاء نائبي البشير والترابي، يمثل ضرباً من الهجرة إلى الماضي على قدر ما هو مغامرة في المستقبل. مقابلة النائبين في ميونخ هي الأولى على هذا المستوى بين جناحي النظام الإسلامي الحاكم في الخرطوم، منذ انقسام 1999. الفرقة بين المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي المعارض، امتدت أكثر من اثنتي عشرة سنة.

هي مسافة الفراق بين الرجلين. في سياق الاصطراع على السلطة وقع الافتراق بين علي طه وعلي الحاج، عندما كسب الأول موقعاً متقدماً في هرم النظام وخسر الثاني السلطة والثروة والوطن.

من الصعب تأطير لقاء ميونخ في كادر المعاودة والمواساة. حالتئذ يصعب تحديد من يواسي من. الفرز يبدو مهمة شائكة بين الزائر المستشفى والسياسي المنفي. كل يستنفر المشاعر الإنسانية. السياسة لعبة منزوعة من النوايا الطيبة.

لقاء ميونخ ضرب من الهجرة إلى الماضي. المؤتمران ـ الحاكم والمعارض ـ كل يحتاج الآخر عند هذا المنعطف من الأزمة السودانية. بالمقاربة ذاتها يشكل «لقاء العليين» مغامرة في المستقبل.

بما أن المؤتمريْن يحتميان بمظلة الإسلام، فكلاهما ينظر إلى الأزمة من زاوية أهمية عدم التفريط في السلطة. المؤتمران ــ الحاكم والمعارض ــ يرى كل الآخر أقرب إليه من كل ألوان طيف المعارضة السودانية.

ربما كانت «مفاصلة رمضان»، كما يسميها أنصار المؤتمريْن، منعطفاً حاداً ألحق بجناح الترابي خسارة فادحة، لكن أنصار المؤتمريْن لم ييأسوا من إمكانية رتق الفتق. الحديث عن مكاشفة سياسية في ميونخ ليس من باب التمني. الرؤية الثاقبة في الوضع السوداني الراهن ترجح النظر إلى اللقاء ضمن سياق جهود الإسلاميين في الحفاظ على السلطة والثروة. لقاء ميونخ يعبر عن أزمة المؤتمرين. كل من طه والحاج يحتاج إلى الآخر في المنعطفين الخاص والعام الراهنين.

 «العليان» ينظران إلى بعضهما على كعب الندية. للرجلين تأثير نافذ كل في مؤتمره. كلاهما يعايش أزمة على نحو أو آخر. «العليان» يغالبان انتزاع الجناح العسكري قصبة الحكم من بين أيدي المثقفين في الحركة الإسلامية.

ربما يكون لقاء ميونخ هو الأول المكشوف بين جناحي البشير والترابي، لكنه ليس الأول من نوعه على مستوى عال. الأرجح عند البعض أن لقاء ميونخ استكمال للقاء في مزرعة جنوبي الخرطوم؛ ليلة شتائية جمعت قطبين كبيرين من المؤتمريْن الحاكم والمعارض. مع أن شيئاً لم يرشح عن لقاء المزرعة إلا أن قرائن وتداعيات تدعم تأكيد لقاء المزرعة.

حسب مصادر المعارضة، توقع المشاركون في مؤتمر نيروبي، حيث تبلورت وثيقة الفجر الجديد، وصول كل من علي الحاج وكمال عمر ممثلين للمؤتمر الشعبي. وفقاً للمصادر نفسها جاء استبدال أحد أنصار المؤتمر بالشخصيتين البارزتين مباغتاً.

من يتحدث عن لقاء المزرعة يرى في تغيب الحاج وعمر حرصاً من المؤتمر الشعبي على إبداء حسن النوايا تجاه المؤتمر الحاكم، بغية دفع لقاء المزرعة إلى قطف ثمار المصالحة.

لهذا عاد كمال عمر من القاهرة إلى الخرطوم، والتزم علي الحاج البقاء في ميونخ، وحضر مندوب مقيم في كينيا ممثلاً للمؤتمر الشعبي، حفاظاً على إمكانية المناورة على هامش النظام والمعارضة في وقت واحد.

Email