بين "الممانعة" والعمالة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذات مرة قبل سنوات وعلى هامش حوار مطول، سألت مسؤولا أميركيا رفيعا عن سر العلاقة بين حكومته ومسؤول عربي رفيع، رغم توالي التسريبات عن تحالف هذا المسؤول مع "أعداء" الولايات المتحدة، فرد بابتسامة جانبية أميركية مشهورة: نضع ثقتنا كاملة فيه!

لم أستغرب كثيرا هذا الرد، بما أن السياسة حقل ملوث بالتقاطعات والتحالفات الآنية والانقلابات المصلحية، فالخط الفاصل بين المبادئ والسياسة تماما كعالمي المثال والواقع. ما يثير العجب هو تلك العقلية العربية التي تتعامل بسذاجة جمة مع طبائع السياسة، فتسارع إلى التخوين أو التمجيد! تداعيات الملف السوري تفرض البحث مجددا في الأسئلة الأولى، ذلك أن ما يجري على الأرض يناقض الشعار المرفوع، والنتائج تأتي مخالفة تماما لمقدماتها، وحتى الريح تحمل ما يعاكسها، فاللامنطق هو السائد، اللهم إلا إذا كانت هناك قوى خفية تحرك ما يجري في اتجاه مرسوم ومنطقي بالنسبة لمصالحها.

نظام بشار الأسد، ببساطة، يرتدي حلة "الممانعة" والتحالف مع روسيا وإيران، في مواجهة المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وهو نظام موروث لنظام ترك الثورة الفلسطينية تذبح في لبنان، والتزم الحياد إزاء تقدم أرييل شارون لحصار بيروت، وبعدها التحالف مع الأميركيين في الحرب ضد العراق، وتقديم 15 ألف صفحة للمخابرات الأميركية في إطار حملتها ضد تنظيم "القاعدة"، ولطالما جن جنون الحلفاء السوفييت على إفشاء أسرار الصناعات العسكرية السوفيتية من بطاريات "سام 7" إلى "ميغ 21". ثم لا أحد يعلم تماما عدد الخبراء الكوريين الشماليين والإيرانيين، الذين دفنوا تحت أنقاض قاعدة الكير النووية السورية في منطقة دير الزور، التي دكتها الطائرات الإسرائيلية ثم أجرت استعراضا فوق القصر الجمهوري في دمشق من دون مواجهة ولو رصاصة طائشة!

وأيضا أغارت الطائرات الإسرائيلية مؤخرا على أربعة مواقع للأسلحة الكيميائية بعضها قرب دمشق، فدمرت ما دمرت ومنه قافلة أسلحة قيل إنها كانت متوجهة إلى حزب الله اللبناني، وأيضا بقيت الأجواء مفتوحة للطائرات الإسرائيلية من دون أي منغصات، بخلاف ما حدث للطائرة التركية.

المعارك ضروس على تخوم دمشق، والعد التنازلي لنظام بشار بدأ، ورغم ذلك بقيت جبهة الجولان السوري المحتل هادئة، إلا بعدما تقدم الجيش الحر هناك فسقطت بضع قذائف عرضا، في حين أن العارفين بالوضع السوري يؤكدون أن جزءا كبيرا من جيش النظام العادي لا الطائفي - يتموضع قرب الهضبة المحتلة ولا يحرك ساكنا.

آخر فصول الغرابة المرتبة، هو دخول حزب الله على الخط في مناطق القصير في حمص، وإعلان دخول الحرب لتمشيط هذه المنطقة المتاخمة لمناطق نفوذ الحزب والمتصلة بالجيب العلوي المزمع، بحسب التكهنات، كمقدمة لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ علوية وسنية ودرزية وغيرها، يصار لاحقا على مائدة اليأس إلى التوصل لشكل سياسي تنسيقي بشأنها.

في هذه الأثناء تبقى قوة صاروخية مهمة لدى سوريا ينبغي استنزافها، وهو ما يحدث الآن، فلا معنى ولا جدوى عسكرية من استخدام هذه الصواريخ الثقيلة في قمع معارضة مسلحة.

إزاء هذا الحال، من هو الذي ينفذ المخططات المشبوهة في سوريا، بل ويخدمها؟!

 

Email