عن الانتخابات الأردنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس «اكتساح الموالين والعشائريين» نتائجَ الانتخابات النيابية الأُردنية تشخيصاً كافياً لها، ففي هذه النتائج ما يحيلُ، أَيضاً، إِلى صورةٍ أكثر تعبيراً عن اللحظة السياسية والاجتماعية الأردنية، ومنها أَنَّ نسبة الاقتراع فاقت التقديرات المتفائلة، فوصلت إِلى 57%، بعد حملةٍ واسعة، نشطت فيها جبهة العمل الإسلامي، وغيرها، في اتجاه المقاطعة، رفضاً لقانونٍ أُجريت بموجبِه، وخالفَ توصيات لجان إصلاحيةٍ وتصوراتٍ وطنية في البلاد.

ومعلومٌ أَنَّ مطالبات عشرين عاماً بإِلغاء نظام الصوت الواحد، استجيب لها بتشريع قانون الصوتيْن؛ واحد للمقاعد الفردية وآخر للقوائم الوطنية على مستوى المملكة، لها 27 مقعداً من بين 150 بعد زيادةٍ أَعضاء البرلمان، خصص فيها للنساء 15 بالكوتا. والمعطى الملحوظُ في النتائج، أَنَّ الأحزاب القومية والبعثية واليسارية التي تآلفت في قائمةٍ، لم تفز بأيّ مقعد، وصُدمت تياراتٌ تقليدية، منها "التيار الوطني"، بفوزها بمقعدٍ يتيم، على الرغم من أَنّها كانت نافذةً في مجالس نيابيةٍ سابقة. ونيل الإسلاميين الوسطيين 17 مقعداً، يعني أَن للإسلام السياسي وجوهاً أُخرى في الأردن (وغيره)، يمكنها أَنْ تُزاحم الإخوانيين جيداً وبفاعلية.

وصول رجال أَعمالٍ يوصفون بأَنهم يفتقدون رؤىً سياسية، إلى الندوة التشريعية بقوة المال السياسي، مع أَربعين من أَعضاء مجلس النواب السابق، غالبيتهم من أَهل الأداء المتواضع، مضافاً إِلى الأمرين أَنَّ تجربة القوائم الوطنية لم تُفرز أَلواناً سياسيةً ظاهرةً وفاعلياتٍ يمكنُ الرهان عليها، ذلك كله (وغيره) قد يُضْعف فرصَ تشكل كتلٍ وازنةٍ وصلبةٍ ذات برامج وطروح إِصلاحية جريئةٍ وقدراتٍ رقابيةٍ فاعلة، في مجلس النواب الأردني السابع عشر، والذي يُفترض أَنْ يصير المعْبَرَ الأَهم إِلى "التحول الديمقراطي نحو بناءِ نظام الحكومات البرلمانية".

وهذا طموحٌ إصلاحيٌ جاءَ به المستجدّ الأُردني في "الربيع العربي"، من تعبيراتِه إِحداث تعديلاتٍ مهمة في الدستور، وإِنشاء هيئةٍ مستقلةٍ للانتخابات، أَشرفت وتابعت ونظَّمت واقعةَ الأسبوع الماضي، ويمكن أَنْ يُضاف إِلى الأمرين، إِنشاء المحكمة الدستورية العليا والهمّة الحكومية في محاربة الفساد. ومعلوم أَنَّ هذا كله، وغيره، لم يُقنع الحراكات الشبابية وتشكيلات المعارضة، وأَوساطاً عشائرية أَيضاً.

ليس مؤكداً ما إِذا كان البرلمان الأُردني، المنتخب بآليةٍ مختلفةٍ عن سابقيه، سيكون مختلفاً عنها، وقوياً. وفي محله توقع أَن يكون انتقالياً، إِذا ما عكفَ على إِنجاز تشريعاتٍ إِصلاحية، وعلى تعديل قانون الانتخاب غير المُرضي لقطاعاتٍ واسعة في المملكة، وربما مطلوبٌ منه أَنْ يكون انتقالياً، إذا ما دلَّ على نفسِه بأَنه مجرد تمرين أَول في تجربةِ قيام حكومات برلمانية، مع الحدْس بأَنه قد لا يقدر على بناءِ كتلٍ برلمانيةٍ برامجيةٍ صلبة. وقد أَعرب الملك عبد الله الثاني عن تطلعه إِلى ذلك في ورقةٍ طرحها للنقاش العام، ما يلتقي مع رؤىً إِصلاحيةٍ مدنيةٍ تقدميةٍ في المجتمع، يُؤمل أَن تتحقق لها اندفاعةٌ مشتهاة، وإِنْ في غضون برلمانٍ، سورع إِلى وصفِه بأن "موالين وعشائريين" اكتسحوه.

 

Email