بلاغ ضد نابليون

ت + ت - الحجم الطبيعي

موجزُ الخبر أَنَّ المصري صالح توفيق إِبراهيم تقدَّم ببلاغٍ إِلى النائب العام في بلاده، يُطالب بمحاكمةِ نابليون بونابرت، لتحطيم قواته أَنف تمثال أَبو الهول، وتدنيس خيولها حرم الأزهر الشريف. ويُطالب بمحاكمة كل من اعتدى بأَقصى القوة على التمثال البريء، وإِصدار الحكم وتوثيق اعتذارٍ من الشعب الفرنسي، مع ذكر الحكم في المناهج والمقررات التعليمية وكتب التاريخ. لم يرد في الخبر ما إِذا كان النائب العام قبل البلاغ.

وما إِذا ينوي بدءَ النظر في اتهام نابليون بالجريرةِ المنسوبة إِليه، وإِنْ نُخمِّن أَنه لن يعطي أَولويةً للبحث في الواقعة التي تعود إِلى أَزيد من مائتي عام، ففي مكتبه بلاغاتٌ وفيرةٌ في قضايا طازجةٍ، قتل متظاهرين ونهب مال عام وفساد، أَمثلة.

وأَحسبُ أَن على صالح توفيق إِبراهيم أَنْ يتفهم مشاغل السيد النائب العام، وإِنْ من حقِّه، وعموم المصريين، أَلا يتساهلوا في الذي ارتكبه القائد الفرنسي الذي يُعدُّه موطنوه أُسطورةً، وإِن استولى على السلطةِ بعد عودته من مصر، وقمع الحريات وأَلغى الانتخابات وأَغلق صحفاً، وصار دكتاتوراً مستبداً.

الجدوى الأَهم في بادرة صالح توفيق إِبراهيم، أَنها ترمي حجراً قدام أُزعومةٍ، تعزَّزت في مدارك كثيرين وأَفهامهم، مصريين وغير مصريين، هي أَن حملة نابليون جاءَت بتنويرٍ إِلى مصر في الـ38 شهراً التي مكثتها، ولا يُؤتى على ذكر هذا القائد المغامر إِلا ويُشار إِلى المطبعة التي قدم بها مع خيول قواته.

وكانت لطبع منشوراتٍ يُغوي بها المصريين بقبول احتلالهم. ومن عجبٍ أَنَّ البلاغ المقدّم إلى المستشار طلعت إِبراهيم ينشغلُ بأَنف أَبو الهول، واستباحة حرم الأزهر، فيما جرائمُ الحملة موثقةٌ في كتب مؤرخين، ومنها اجتياح جيش نابليون مدناً وقرىً عديدة وتدميرها وحرقها، وقتلُ آلاف المصريين وصلبُ من اعترضوا طريقَه، فضلاً عن نهب ثرواتٍ مصرية مهمة.

ونظنُّ أَنَّ بتر أَنف أَبو الهول مُصابٌ أَقلُّ هولاً من تلك الاستباحة للبلاد والعباد، والتي أَراد نابليون تسويغَها بأَنه جاءَ لأبناء مصر بالعلم والمعرفة، وإِنقاذهم من تخلفٍ وجهلٍ مقيميْن بين ظهرانيهم.

ما زال طرياً في البالِ إِحباطُ مثقفين مصريين، من ذوي العلم والحس الوطني الرفيع، محاولةَ تنظيم احتفالية في القاهرة في 1998 بمناسبةِ مرور مائتي عام على الحملة الفرنسية، وصدر جهدُهم ذاك عن اعتبار احتفالٍ بالمناسبةِ المذكورة إِهانةً للذاكرة المصرية، وعملاً يُسيء أَصحابُه فيه إِلى بلدهم، الأَمر الذي لم يلتفت إليه وزير الثقافة، إِياه، فاروق حسني، لمّا افتتح، قبل ثلاثة أعوام، معرض لوحاتٍ في باريس يحتفي بنابليون وحملتِه...

تُرى، لماذا لا يُرفع بلاغٌ ضد حسني على جريرتِه تلك، سيما وقد لا ينال براءَةً كما التي ظفر بها من تهم فسادٍ، بعد الإذن من أَبو الهول، وقد كظم غيظه من نابليون قرنين، وباقٍ في جلسته العتيدة رابط الجأش، وربما أَبهجَه مواطنه صالح توفيق إبراهيم.

 

Email