فرصة أوباما التاريخية

ت + ت - الحجم الطبيعي

باستثناء أربع خطوات، غلب الإحباط على سنوات باراك أوباما الأربع في الأبيض. تلك حصيلة هزيلة تجعل الرهان على الولاية الثانية ضرباً من الوهم. لا أحد يحمِّل أوباما أعباء الإرث الثقيل المنقول إليه من سابقه. ذلك ميراث فادح، بينه تورط أميركا في حربين خاسرتين في الشرق المتوسط الكبير.

صحيح كذلك تزامن صعود الرجل الأسود إلى شرفة التاريخ، وسط أزمة اقتصادية ضاغطة على أميركا وحلفائها الأوروبيين. لكن الصحيح في الوقت نفسه، أن ذلك كله يمثل فصلاً من كتاب «العجز والخيبة» في سنوات أوباما الرئاسية الأربع. رغم أثقال المسؤولية، اتسم أداء إدارة الرئيس بالكثير من التردد غير المناسب للظرف التاريخي، من حيث الرهان العريض على الرجل الطالع من قاع المجتمع الأميركي إلى رحاب التاريخ، في سياق تطور الأحداث.

الآمال المعلقة لم تأتِ مع رياح التمني، بل غرسها باراك أوباما إبان حملته الانتخابية، إذ كان محورها التغيير. ذلك غرس تعهده أوباما طوال المرحلة الأولى من ولايته الرئاسية، بالخطب المكثفة داخل أميركا وخارجها.

في نهاية الولاية الرئاسية الأولى لا نجد في رصيد الرجل أكثر من أربعة إنجازات غير باهرة! تشريع يضمن الأجر المتساوي للنساء والرجال مقابل الجهد المتساوي، وإصلاح نظام الخدمات الصحية والمالية على الصعيد الأميركي، مقابل سحب القوات من العراق وتصفية أسامة بن لادن، في الخارج.

ربما لا يكون حال العالم عند منعطف ولاية أوباما الرئاسية الثانية، أفضل مما كان عليه في مطلع الولاية الأولى. رغم ذلك أمام الرجل الأسود فرصة صناعة تاريخ مشرف، شريطة خلع إطار التردد الغالب في الفترة الأخيرة، وتبني استراتيجية أميركية واضحة على الصعيد العالمي.

في غياب هذين العنصرين، ظلت السياسة الأميركية تتأرجح بين التراجع خطوة أو خطوتين تجاه البؤر الساخنة في العالم. هكذا هو حالها مع دول الربيع العربي وإيران وإسرائيل وكوريا الجنوبية والصين. أمام أوباما فرصة جوهرية للمساهمة في بناء عالم تسوده الحرية والعدالة، عبر مساندة الشعوب الراغبة في كنس أنظمة الاستبداد والفساد، وصياغة حاضر ومستقبل جديدين.

أكثر تفاؤلاً من ذلك.. أمام أوباما فرصة تاريخية لإعادة بناء نظام عالمي جديد، قائم على الحرية والعدل والمساواة بين الشعوب وبين الدول. المنظومة الدولية بأسرها فقدت بريقها وقدرتها على الفعل. جذوة الأمم المتحدة خبت. مجلس الأمن لم يعد قابضاً على السلم الدولي.

الشعوب المقهورة بالأنظمة الاستبدادية، فقدت الأمل في انحياز القوى الكبرى لقضايا الحرية والعدالة. الشعوب الفقيرة قنعت عن عون الأغنياء. الاتحاد الأوروبي منكفئ على ذاته يبحث عن مخارج لأزمات تعض عظام بعض أعضائه. المنظمات الإقليمية سقطت فريسة العجز إزاء إطفاء حرائقها أو إسكات جوع بعض شعوبها.

في هذا العالم المتصدّع المسكون بالأزمات، تبدو أميركا أفضل حالاً من غيرها، إذ لاتزال القوة الكبرى والقطب الأعظم. العالم ليس أسوأ حالاً مما كان عليه عشية الحرب العالمية الثانية. أميركا ليست أقل قوة مما كانت عليه وقتئذٍ.

غداة الحرب العالمية الأخيرة استطاعت أميركا بناء نظام عالمي جديد، يسند حقوق الشعوب في الحرية والعدالة والنماء، على أنقاض عالم متهالك ممزق منهار. الفرصة تبدو مهيأة أمام أوباما لتجاوز خيبات الولاية الأولى الباهتة، باتخاذ خطوات أكثر جرأة وحزماً وثباتاً، على طريق تحقيق نظام عالمي جديد مشبع بقيم الديمقراطية والعدل.

Email