عن دولة ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُسألُ محمد حسنين هيكل، في أحدث مقابلاته التلفزيونية، عن ليبيا، فتنصرف إجابته إلى تدخل حلف الناتو عسكرياً، عشية بدء انتفاضة على سلطة معمر القذافي، ويُشير إلى عقود النفط الليبي، بشبهة أنَّه مجرد مطمع للغرب. وبعيداً عن اختلاف المستويات والمقامات، فإن حديث كثيرين بيننا عن ليبيا، من أهل الكلام في السياسة كيفما اتفق، يُشابه ذهاب الكاتب الكبير، دائماً، إلى منطقة الناتو وخرافية النفط.

ومع تقدير حساسية زملائنا هؤلاء تجاه أيِّ تدخل أجنبي في بلادنا، وتثمين مكانة هيكل، يُؤكَّد، هنا، أنه صار ضرورياً أنْ نتابع شؤون دولة ليبيا (وهذه صارت تسميتها) وقضاياها بعين أُخرى، فترى شعباً يتوق إلى نهضة بناء وتنمية وصعود اقتصاديٍّ ومعيشي، وتفحص ما يمكن أنْ يقدمه العرب، دولاً وهيئات ونخباً، إلى أترابهم الليبيين، مما يُعينهم في ذلك كله وغيره، لا سيّما أنَّ حاجيات بلدهم كثيرة.

ولا تعني أولوية تقوية المؤسستين، الأمنية والعسكرية، التعامي عن أولويات أُخرى غير قليلة، يلزم توفرّها لليبيين في مسارهم إلى تمكين بلدهم، وتثمير إمكاناته، فيتأهل إلى مراتب أولى بين الدول المتقدمة اقتصادياً وتنموياً وتقنياً.

يُحدّثنا، في دردشة عابرة، ممثل أمين عام الأمم المتحدة في ليبيا، طارق متري، أنَّ العملية السياسية هناك بطيئة، وأنَّ الحساسيات بين شرق البلاد وغربها ليست هيّنة، وأنَّ المشكلات التي تركها معمر القذافي لا تُعدّ. لا يأتي الدبلوماسي العربي الأُممي على "الناتو" في إشارته إلى هذه القضايا الثلاث، ببساطة، لأنَّ لا مسؤوليةَ بشأْنها على الحلف المذكور، والذي يمكننا أنْ نسبَّه ليل نهار، ونلعن سنسفيل من أجازوا طيرانَه في الأجواء الليبية.

ولكن، يحسُن، في الأثناء، أنْ ننتبه إلى أنَّ ليبيا، التي نحرص على عروبتها واستقرارها ورفاهية شعبها وأمنه، تحتاج عوناً كثيراً من كفاءات وأدمغة وقدرات عربية، ليمكنها الإقلاع السياسي والاقتصادي، بتدعيم البنية التحتية بالمتطلبات اللازمة، وتيسير بنيات قانونية وإدارية وتشريعية، يتأسس عليها العمل العام في ليبيا، بالتوازي مع نشاط العمل الأهلي والخاص. وفي البال أنَّ هذا البلد، في سنوات مديدة كان فيها جماهيرية عظمى، اختلط فيه الخاص والعام بكيفيات بهلوانية، من قبيل أنَّ البيت لساكنه، وأنَّ للجان الشعبية سلطتها في الاستحواذ على ما تشاء من مقدرات.

حرصاً على ليبيا من طمع الأجنبي، يُطالب الغيورون عليها بأنْ يلتفتوا إليها بلداً فيه إمكانات اقتصادية وإنمائية، وشعب يشتاق أنْ يعتزَّ بما يبني ويُنجز، فيفخر، مثلاً، بأنَّ انتخابات المؤتمر الوطني التي شارك فيها بحماس، كانت باهرة، وبأنَّ لجنة نزاهة ترفض توزير فلان أو علان.

وأنَّ رئيس وزراء تم تعيينه ثم لم يتمكن من أن يهييء أعضاء حكومته، فآلت المسؤولية إلى آخر. هذا كله في تمرين سياسي وديمقراطي واجتماعي بالغ الأهمية، لنتملى فيه بمحبة، وندفع باتجاه نجاحات مقبلة في سياقه، بدل المكوث في خرّافية عقود النفط المتوهمة، وحكاية الناتو المملّة.

 

Email