فضيحتان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما كانت فضيحة "تبادل الأسرى" الأخيرة في سوريا، نقطة الجذب الساخرة الأكثر لكل صاحب قلم أو بالأحرى لوحة مفاتيح، بما أنها سابقة تاريخية يتعامل فيها نظام حكم مع مواطنيه المعتقلين على أنهم أسرى تمكن مقايضتهم بآخرين أجانب، ما ترك جنود وضباط النظام المعتقلين في وضع نفسي حرج للغاية، ويحسدون مرتزقة القذافي لجهة وجود من يطالب بهم.

لكن الفضيحة الموازية، وإن كانت على خط آخر من المهزلة، هي استباق الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز خبراء المختبرات السويسرية، بحديثه لصحيفة "نيويورك تايمز" عن مدى الحاجة للزعيم الراحل ياسر عرفات وتلميحه لاغتياله.

بعد مراوغات فرنسية محيرة، وقصور تكنولوجي عجيب في أشهر مستشفياتها العسكرية لجهة التقاط مادة البولونيوم القاتلة في متعلقات الزعيم الراحل، فجرت فضائية "الجزيرة" المفاجأة ما أفضى إلى تحرك المحامين ونبش رفاته وأخذ عينات منه، للتأكد من صحة نتائج تحقيقات القناة القطرية.

ما زلنا في انتظار النتائج، حتى إن غالبيتنا نسيت هذ القضية بعدما غفت خلف شاشات الفضائية نفسها، والأنكى غيابها في الإعلام الفلسطيني نفسه. فإن كانت "الجزيرة" حققت سبقا على هذا المستوى من الحرفية والجرأة، فإن الأولى بها مهنيا أن تحتفي بهذا الإنجاز وتواصل متابعته ليل نهار، بينما لا يكفي الإعلام الفلسطيني الرسمي تخلفه الجلي في هذا الملف، والتعامل معه بمنطق طي الصفحة وسد الباب الحامل للرياح المزعجة، بل انزلق نحو ما يشبه التجاهل لهذه التطورات الهائلة، سواء لمعناها الرمزي، أو حتى تبعاتها الكبيرة على مجمل مسار القضية الفلسطينية، بعدما باتت فلسطين دولة بصفة عضو مراقب وعلى أبواب عضوية المحكمة الجنائية الدولية.

حسنا، ها هو بيريز يعيد للملف سخونته، وهذه من المفارقات التاريخية السوداء، التي لا تقل ألما عن صفقة التبادل السورية، فرأس النظام الإسرائيلي يعيد نبش هذ الموضوع، والجانب الفلسطيني تقتصر ردة فعله على وضع اليد على الفم دهشة.

نعلم أن إسرائيل على أبواب انتخابات، وأن اصطياد خطايا "ليكود" سواء في عهد أرييل شارون أو بنيامين نتانياهو، مطلب لترجيح كفة "الحمائم"، لكن السلطة الفلسطينية معنية أكثر بمخرجات هذا الاصطياد وتحويل غنائمه إلى وثائق تضاف إلى ملف من المفترض أن يجري إعداده بعناية ودقة، لجلب إسرائيل إلى "الجنائية الدولية". ونعلم أكثر أن هناك توجها أميركيا على ما يبدو - للتخلص من يمينية نتانياهو، على أبواب "فرض" حل للقضية الفلسطينية يتوج حراك "الربيع العربي" وصرف المنطقة كلها عن الصراعات التقليدية، وبلورة البنية التحتية اللازمة لـ"السوق الشرق أوسطية"، التي حلم بها بيريز نفسه قبلها.

هذا حسن؛ أي حشر اليمين الإسرائيلي في زاوية "الجنائية الدولية" لترويضه تجاه الحل السلمي، لكن بالتأكيد لن يكترث أحد لهذا الملف إن كان أصحابه لاهين عنه، فلا يتابعون بخبراء وفرق عمل، ولا يوثقون، ولا ينظمون حملات إعلامية.. ولا حتى يمشون مترا واحدا نحو توحيد الصف.

هل ننتظر من الأميركيين مثلا أن يقوموا بكل ذلك؟

 

Email