حقبة فلسطينية جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نهاية الأسبوع الماضي حملت بداية مفاجئة في غزة: مئات آلاف الفلسطينيين تجمهروا للاحتفال بالذكرى الـ48 لانطلاقة حركة "فتح"، ذلك أن هذا العدد لم يتسنّ جمعه في الضفة الغربية معقل "سلطة فتح" - بينما هدر بهتافات الحركة في عقر دار حركة "حماس" في غزة.

مدلولات بسيطة وراء هذا الحدث، تتصل أولاً بـ"الممنوع المرغوب"، بعدما حظرت "حماس" مثل هذا الاحتفال منذ أعوام، كانت كافية للجماهير لتجريب حكم الحركة الإسلامية، أو بالأحرى حكم جماعة "الإخوان المسلمين" التي لم تنج من "مفسدة السلطة"، التي طالما هاجمتها عبر منابر المساجد حين كانت في يد غيرها، فضلاً عن الحاجة الحقيقية لإنهاء حالة الانقسام، التي أفضت إلى أزمات عميقة، في مقدمها أزمة الهوية والمصير.

مسارعة "حماس" إلى داخل السرب الفلسطيني بمشاركتها "فتح" احتفالاتها، رغم الإنهاء السريع والغامض للتجمع الفتحاوي غير المسبوق، عززت التكهنات والإشارات على قرب المصالحة الفلسطينية، إلا إذا عادت في ربع الساعة الأخير لتبديد التفاؤل.

ربع الساعة هذا لا يخلو من مصائد خارجية، من عيار "اللوبيات" المؤثرة في القرار الأميركي، واحترافها الدس الذي برز أخيراً من خلال تلميحات باستعداد "حماس" لقبول حل الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة، مقابل الاعتراف بها أميركياً كأحد مكونات القيادة الفلسطينية الرئيسية، أسوة بالتحالف الجاري في غير ساحة بين الأميركان و"الإخوان".

 لتجاوز ربع الساعة هذا، لا بديل عن الوضوح رغم صعوبته في عالم السياسة: الاتفاق بين الحركتين على إنهاء الانقسام وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، لكن على أساس دمج البرنامج الانتخابي بالسياسي، ليتضمن رؤية كل طرف للحل التفصيلي مع إسرائيل، من دون مواربات الصياغات المبهمة، ومن يفوز بها يكون قد حصد التفويض الشعبي لهذا الحل كاستفتاء أولي.

هذا يتزامن مع تغير مفاجئ أيضاً في الرأي العام الإسرائيلي، إذ أظهر استطلاعان للرأي الأسبوع الماضي (معهد مينا تسيماح ومعهد استطلاعات الرأي التابع لرافي سميث)، بشكل واضح وجود غالبية كبيرة (67%) تؤيد برنامج سلام شامل في حال ضمان الأمان الشخصي..

طبعاً ضمن شروط: الاعتراف بدولة إسرائيل على أنها دولة لليهود وفلسطين دولة للشعب الفلسطيني، والسماح بحق العودة للاجئين فقط إلى دولة فلسطين المستقبلية والمنزوعة السلاح، وتقسيم القدس، وإعادة ترسيم الحدود بين الدولتين على أساس خطوط 1967 مع تبادل مناطق متساوية في حجمها.

مكمن المفاجأة كان أن هذه النتيجة شملت جمهور اليمين الإسرائيلي المتطرف وفي مقدمه "ليكود"، والذي زادت نسبة تأييده لهذه التسوية إلى 75%، حال صدور بادرات سلام إضافية من المحيط العربي، أو بناء جدار عازل مع الدولة الفلسطينية والتحالف الحمائي مع أميركا.

الرأي العام الإسرائيلي إذن موحد، فماذا عن الفلسطيني: السلطة الفلسطينية ينقصها لملمة أوراقها الملقاة كافة في السلة الأميركية، و"حماس" يلزمها تطوير قاموسها السياسي للتفريق بين "الهدنة" و"اتفاقية سلام"، بينما ينتظر الشعب الفلسطيني منظمات مجتمع مدني حقيقية، قادرة على المراقبة والضغط على الحركتين.

 

 

Email