مؤامرة على سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلُّ الاتفاق مع محبي النظام السوري ومشايعيه في القولِ إِنَّ ثمة مؤامرة على سوريا، ولكن ليس في الوجهةِ التي يفترضون، ولا في المنطقِ الذي يتبنّونه.

المؤامرةُ صارت واضحةً في ترك سوريا نهباً لكل هذا التدمير الذي تتحطَّم فيه، جيشاً ودولةً ومؤسسات، وفي عدم التدخل الذي يُنهي عمليةَ القتل اليوميّة الدائرة، بتفضيلِ هذا الحال الذي يتقاتل فيه السوريون مع بعضِهم، موزّعين في مجموعاتِ المعارضة المسلحة، وفي سلطةٍ مستأسدة، تحتكرُ قوة نيران هائلة، ورصاصاً بلا عدٍّ.

لا يُراد لهذه المواجهةِ أَنْ تنتهي إِلى أَيِّ حسمٍ، فيتبدّى أَن أميركا (مثلا) لا تريد انتصار الثورة السورية، وتُؤثر تآكلاً مستمراً تنتحرُ فيه سوريا، وتبتدعُ لعدم اتخاذ قرارٍ بتدخلٍ عسكريٍّ من أَي نوع، ذرائعَ تتناسل من بعضها.

نعم ثمَّة مؤامرة، لم نلحظها، كما أولئك، في ثورةِ السوريين، مع انتفاضةِ أطفال درعا، كما راحوا يشيعون، ولا مع مظاهراتٍ شعبية واسعة سقط بالرصاص الذي تمَّ تصويبُه على شبانها وصباياها نحو خمسة آلاف سوري، قبل أَنْ نعرفَ جيشاً حراً ومجلساً وطنياً.

تقدَّم غياث مطر بالورد إِلى الجنود، ثم قضى بالرصاص، حين انتُزعت أَحشاؤه، ورُمي إِبراهيم قاشوش في النهر، بعد اقتلاع حنجرته، وهو الذي واجه السلطةَ بأغنية.

لم تكن المؤامرةُ قد صارت على النحو الذي نرى، ولم تكن ثمّة مؤامرة من الطراز الذي يُخمنّه أولئك، حين توَّهموا أَنَّ النظام مستهدفٌ انتقاماً منه على ممانعتِه ومقاومتِه.

ولم يستحوا أَبداً عندما افترضوا أَنَّ الشعبَ السوريَّ ومتظاهريه، يأتمرون من الخارج للثورةِ على النظام، في المؤامرة التي في مخيلتِهم وحدَها.

وعندما مضوا في كلامهم هذا، ظنّوا أَنَّ ترويجهم تدخلاً وشيكاً من "الناتو" هو المقصودُ لضرب سوريا وتخريبِها، سيكون دليلاً على فريةِ المؤامرةِ الكونية تلك.

لم يتدخَّل "الناتو"، بل انقطعَ زعماؤه لتأكيد أَنه لن يقومَ بشيء، وما تأكد، لاحقاً، أَنَّ النظام السوريَّ هو من ينوبُ عن "الناتو" في إِحداث التخريب والتدمير، في القصفِ الشديد واستخدام "ميغ" و"سكود" والقنابل الفراغية.

وهذه المشاهدُ المتتابعةُ على شاشات الفضائيات، لا تفضحُ المؤامرةَ التي نُؤشِّر إِليها فقط، بل تكشفُ عن مداها الفظيع.

مدنٌ وبلداتٌ وأَريافٌ، شهيرةٌ بوداعتِها وأَناقةِ منازلها ودفء أَجوائها صارت خربةً محطمةً، عدا عن سوريين عديدين يسقطون يومياً في تقاتل لا يبدو أَنَّ نهايته تقترب، وإِنْ يُحقِّق الجيش الحر إِنجازاتٍ عسكرية، تجعلنا نتساءَل عن دواعي تمسك الرئيس بشار الأسد بسلطتِه المتداعية، حين تتناقص مساحاتُ الأَراضي التي يُفترض أَنها كانت تنعمُ بشرعيتِه عليها رئيساً.

إِنه "الناتو المحلي" الذي يقوم بالواجب إِذن، في هذه الاستباحةِ اليومية للآدميين، بل وفي استسهال استهداِف طوابيرهم أَمام المخابز.

يتوازى هذا كله مع بؤسٍ سياسي مديد، حين يصمتُ فيه الأخضر الإبراهيمي، مثلا، عن إدانةِ جريمة مثل هذه، جرت في أَثناءِ وجوده في دمشق.. يا للأسف.

 

Email