الشفافية والقلب الواحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا داعي للحديث عن أنّ منظومة مجلس التعاون الخليجي محاطة ببحر متلاطم من التحديات، بلهجة دبلوماسية، والتهديدات، بوضع النقاط على الحروف، وهذا ما عبّر عنه بكل وضوح وشفافية شعار القمة، المرسوم على شكل سفينة متنها مؤلف من الدول الخليجية الست وشراعها مجلس التعاون. التحديات الماثلة للعيان كثيرة، فمن التحديات الاقتصادية، وهي الأبسط، ومع ذلك تعثّر الكثير من بنود تحقيق التكامل في هذا الشق، إلى التحديات الأمنية والاجتماعية، وكثير من الاستحقاقات التي قد يصعب تصنيفها أو استيعاب وجودها. كلمةٌ قالها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته أمام القمة: نريد اتحاداً قوياً يلبي تطلعات المواطنين. هذه التطلعات عبّر عنها المواطنون الخليجيون طوال 32 عاماً، وسعى إلى تحقيقها القادة المؤسّسون، وتغنى بها أبناء دول المجلس.. وهو ما يجب أن تركّز عليه سفينة التعاون الخليجي بشراعها البحريني خلال الشهور الـ12 المقبلة، من باب أن البحرين أكثر من يدرك الأهمية الاستراتيجية لوجود هذا المجلس، ويدرك حجم التحديات التي تحيط بدول المنطقة.

وفي هذا السياق، كان حوار رئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة إلى «البيان»، معبّراً عن الهاجس البحريني، محيطاً بكل جوانبه، وإن كان البند الأمني هو الأبرز لاعتبارات خاصة تعيشها، وتتعايش معها البحرين منذ نحو عامين. ولكن إذا كان العنوان العريض للبحرينيين هو الأمن والاستقرار، فإنّ التحديات الاقتصادية والاجتماعية لا تقل أهمية، بل هي، في حال تحقيق اختراقات نوعية فيها على صعيد القرارات المفعّلة، تصبح دعامات وركائز لهذا الأمن والاستقرار.. لذلك فإبراز البحرينيين الجانب الأمني في الخطاب السياسي، نابع من قناعة بأنّ التحديات الأمنية، الداخلية، مجرّد إفراز لتأخر الإنجاز الاقتصادي والتقدم على صعيد القرارات الخاصة بتكريس المواطنة الخليجية.

ومن منطلق أن السهر والحُمى ستعم كل المنطقة إنْ ترك أي من أقطارها وحيداً في وجه الملمّات والتحديات.. كان القادة المؤسّسون متفائلين بأن هذا المجلس سيشتد عوده وسيصبح شجرة باسقة وارفة قوية، تصمد في وجه الرياح.. وأنّ هذا لن يتجلى أو يتجسّد إلاّ بالتلاحم والاتحاد، معتبرين التكامل مقدمّة أولية لهذه النتيجة العظيمة المتوخاة.

كانت الآمال معقودة على القمة الخليجية الثالثة والثلاثين التي استضافتها المنامة خلال اليومين الماضيين، ولم يخيّب البيان الختامي رجاءهم، إذ كان أبرز مقرّرين في سبيل تأطير الرؤية السياسة الموحدة المرجوة: الأول، الدعوة إلى تعزيز المواطنة الخليجية وروحها في كل المجالات. والثاني، هو المصادقة على القيادة العسكرية المشتركة. وإلى جانب ذلك، يجب تفعيل السوق المشتركة بما يتجاوز الورق والبيان الختامي، وتحويلها واقعاً معاشاً، وذلك لن يتأتّى، للأسف، إلاّ بعد البدء في الوحدة الجمركية، وكنا نتمنى لو أنها ترافقت مع الوحدة النقدية.. وعدم الالتفات إلى التجربة المتعثّرة للوحدة النقدية الأوروبية، ذلك أنّ الخصوصية الخليجية قادرة على تحاشي ما انزلقت إليه منطقة اليورو.

والختام، الأمل في أن يسود الصوت الواحد، والرأي الواحد، على ما عداه.. وألا تتأثّر سفينة التعاون والتكامل والاتحاد الخليجي بأي اختلافات أو تباينات في المعالجات والمواقف، فهي طارئة ستذروها الرياح حتماً.

Email