عن مؤتمرٍ تحليلي في الدوحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أَضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (مقره الدوحة) إِلى منجزاتِه المهمة، جديداً ثميناً الأسبوع الجاري، في تنظيمِه، في العاصمة القطرية، مؤتمره السنوي الأول، والذي تداولَ يومه الأَول في شؤون مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الوطن العربي، وبحثتها 12 ورقة، جاءَت على واقع هذه المراكز، والفجوةِ بينها وبين صناع القرار، ووجوب أَنْ تتحقَّق لها الاستقلالية الأَكاديمية اللازمة، وأَنْ تحرصَ على أَنْ تُزوِّد نفسَها بالقدرات والكفاءات الجادة، لتتَّصف مخرجاتُها بشروطِ المصداقية والمنهجية العلمية.

ونظنُّ الإفادة من الإضاءاتِ على هذه الجوانب، وأُخرى غيرها، كانت كبيرة للمشاركين في المؤتمر وضيوفِه المدعوين من 70 مركزا بحثياً عربياً، وكذا المدعوون من أَهل الفكر والتحليل السياسي والعمل العام، والذين تجاوزوا المائة، وساهم 30 منهم في تقديم أَوراق محكمة، وفي التعقيب عليها، في الموضوع الآخر للمؤتمر في يوميه التاليين، وهو "تحولات جيوستراتيجية في سياق الثورات العربية".

ولعلها الفرصةَ الأولى التي تُتاح لجمعٍ كبيرٍ من نخبٍ عربية، لتتفحَّصَ في علاقات هذه الثورات التي استجدّت مع محيطِها وجوارها، وموقع الوطن العربي في العلاقات الدولية.

استمعَ حضور المؤتمر وضيوفُه، وكاتب هذه السطور منهم، إِلى مناقشاتٍ واسعةٍ في هذه القضايا التي انصرفت الأَوراق بشأنها إِلى ما هو غير أَيديولوجي، وتوسلت مقارباتٍ تقعُ على المواقف والظواهر والمسلكيات السياسية في أُتون الثورات العربية، مع التسليم بأنها ثوراتٌ لم تنجز بعد تطلعاتها، ولم تصل السورية منها إِلى أُولى عتباتها، ومع الانتباه أَيضاً إِلى مخاطرَ ومخاوفَ تحيط بها وبمخرجاتِها، الملتبسةِ غالباً.

ومعلومٌ أَنَّ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تابعَ الثورات العربية، منذ تونس، وعقدَ ندواتٍ ومؤتمرات بشأنها، وأَصدر كتاباً مرجعياً توثيقياً عنها. ونحسبُ أَنَّ نشر أَوراق المؤتمر الجديد، والأَوسع، في كتابٍ قريباً، سيكون نافعاً لأَهل التحليل السياسي، وللمشتغلين في الإعلام والثقافة في بلادنا.

ولا تملكُ هذه السطور غير تثمين المستوى العالي الذي اتَّصفت به المناقشات والمداخلات، بل والجدل، الساخن أَحياناً، بشأن بعضِها، ما يعني أَنَّ الوظيفةَ الأَهم للمنتديات والمؤتمرات، سيّما المعنيةِ بتحولاتٍ ومتغيراتٍ ومستجداتٍ وانعطافاتٍ، سياسية واجتماعية، هي الدفع بأَجواءِ النقاش العام في الفضاء العربي، وتمكين تقاليد الاختلاف الديمقراطي والعلمي في احتكاكاتِ وجهات النظر، المتباينة منها خصوصاً.

وجاءَ مهماً أَنْ التعقيباتِ التي كُلِّف مختصون وخبراءُ عربٌ بها على الأَوراق في المؤتمر، فتحت مساراتٍ أُخرى للأَخذ والردِّ مع رؤىً وتصوراتٍ ومقارباتٍ انطلقت منها تلك الأَوراق أَو انتهت إِليها.

هي وقفةٌ عجولةٌ هنا على مؤتمرٍ علميٍّ كبير، سُعدنا، نحن ضيوفه، في ثلاثةِ أَيام، بأَجوائه الرفاقية، وإِضاءاتِه على لحظةٍ عربية تتصل حكماً بما هو إِقليميٍّ وجيوسياسيٍّ، على تنوع حساباتِه ومصالحِه (وأَطماعه).

ليس مهماً الاتفاق التام مع كل ما سمعنا في المؤتمر، الأَهم ما عوينَ فيه من نزوعٍ علميٍّ وجاد في كثير من أَشغاله. ولذلك، كان تقديرُ السطور السابقة له.

 

Email