مع أوباما الثاني

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُطنِب باراك أوباما في شكرِ زوجته ونائبه وفريق حملته الانتخابية، في خطاب فوزه بالرئاسة الثانية لبلاده، الأُسبوع الماضي، وقال إِنه لم يكن ليصبح الشخص الذي هو عليه، لو لم توافق ميشيل على الزواج منه قبل عشرين عاماً، وهو خطابٌ، إِنْ جاز وصفه بأنه عاطفيٌّ بعض الشيء، فإنه يشتمل، أَيضاً، على رؤيةٍ لدى صاحبِه في النظر إِلى أَميركا نفسها، والتي إِذ يُشيرُ إِلى أَن لديها أَقوى جيشٍ في العالم، لكنه يعد بإِنهاءِ "عقد الحرب"، وبالالتفات إلى ما تقدمه أَميركا للعالم من تكنولوجيا، ولأبنائها وأَطفالها من تعليم متطور ورفاهيةٍ وأَمان.

دعا الرئيس الفائز إِلى التفكير بالزوجاتِ اللواتي يتأخَّرن في العمل عن منازلهن، وقال إِن أَميركا ليست دولةً تنتمي إِلى الحزب الديمقراطي أَو الجمهوري، بل هي دولةٌ واحدةٌ، ستستمر لتكون أَفضل دولةٍ على الأرض بإسهامات شعبها.

وللحق، إِنه خطابٌ يبعثُ على الإعجاب، بنبرةِ التواضع فيه، وبالشعور الإنسانيِّ الذي يُشيعه، وبالانتسابِ إِلى أَميركا وادعة. ولأنه كذلك، فإنه يدفعنا، عرباً وغير عرب، إِلى انتظار أَفعال ملموسة، تتحقق فيها هذه الرؤية التي طرحها أوباما، ويُؤمل أَن تنسحبَ أَنفاسها على غير مطرحٍ في العالم، وفي القلب من هذه المطارح الشرق الأوسط الذي يُعاني من تغليب واشنطن نظرةً قاصرةً إليه، حين توجزُه بوجوب التفوق الإسرائيلي فيه وتأمين شرايين النفط.

لا غضاضةَ في الجهر بأنَّ المزاج العربي العام بدا مرتاحاً، إلى حد ما، لخسارة ميت رومني في انتخابات الرئاسة الأميركية، فالمذكور، وإِنْ تماهى في السياسة الخارجية لخصمه أوباما، فإن نزوعَه كان واضحاً في تعظيم شأن القوة في ممارسة هذه السياسة.

وليس سراً أن العصابة الحاكمة في تل أبيب امتعضت، بعض الشيء، من فوز أوباما، وإنْ لن يؤثر هذا الفوز على أَيٍّ من تفاصيل التحالف الاستراتيجي بين أَميركا وإِسرائيل، والذي عمل الرئيس الباقي في البيت الأبيض أربع سنوات أَخرى، على تمتينه. ومهمٌّ أَنْ يُلاحظَ أَنَّ الشارع العربي لم ينشغل كثيراً بالسباق الانتخابي إِلى رئاسة أميركا.

ولم يبدُ على مثل ما كان عليه في جولاتِ تنافسٍ سابقةٍ، ما لا يعود، تماماً، إِلى الإحباط المزمن من أُوباما، ومن كل الإدارات الديمقراطية والجمهورية، بل يعود، أَيضاً، إِلى أَنَّ الحال العربي لم يعد كما كان، فقد باتت أَكثرَ أَهميةً وأَدعى إِلى الانتباه والانشغال بها، انتخاباتُ الرئاسة المصرية وانتخاباتُ المؤتمر الوطني الليبي وقانونا الصوت الواحد في العمليتين الانتخابيتين في الكويت والأردن، وذلك كله في سياق المستجدّ الذي طرأَ منذ عامين، وعرف بتسميته "الربيع العربي".

نكون سذَّجاً إِذا عوَّلنا على خيارات أُوباما بشأن فلسطين وسوريا (مثلاً)، ومضينا إِلى رهانٍ بائس عليها. يكون أَنسبَ أَنْ نتملى في أَميركا مختلفة، وعد بها الرجل في خطاب يتوفر على بعض الدهشةِ والإعجاب، مع الاحترام لزملاءَ لم يروه كذلك.

 

Email