إسرائيل والمشهد الفلسطيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُذكِّرُنا إِسرائيل بيدِها الطولى، حين تضربُ مصنعَ ذحيرةٍ في السودان. وحين يُقرُّ بنيامين نتانياهو وثيقةً لا ترى الضفة الغربية أَرضاً محتلة، تُذكِّرنا بأَوهام البحث المستحيل عن السلام معها، وهي أَوهامٌ صارت الحقيقةَ الأكثر وضوحاً في تحالف الليكود و"إسرائيل بيتنا" في انتخابات الكنيست المرتقبة، وفي البال أَن من يقود الحزب المذكور عنصريٌ لا يستحي من إِشهار الانحطاط السياسيٍّ الذي يقيم فيه، وهو أَفيغدور ليبرمان.

وحين تمنع آلةُ القرصنة في الدولة العبرية أَحدث سفينة مناصرةٍ للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة من وصولها إليهم، فإِن إِسرائيل تُذكِّرنا بأَنَّ مهرجان التنديد العالميِّ الذي صُوِّب إِليها إبان اعتدائِها الشهير على سفينةِ تضامن تركية لم يهز شعرةً في خياراتِها الحربية.

وهي خياراتٌ تتنوَّعُ أَوجه السفالة فيها حين تستعيرُ من النازيةِ تحديدَ السعرات الحرارية التي يلزمُ أَنْ لا يتجاوَزها اليهود في أَغذيتِهم وشرابهم، فتقترف مثل هذه البدعة السقيمةِ بشأن فلسطينيي غزة. وكذلك حين تُحدد، وهي دولةٌ تملك أَكثر من مائتي رأس نووي، سلعاً مباحٌ دخولها غزة، منها الشامبو من النوع الذي لا يُليِّن الشعر(!).

في مقابل هذا المشهد الإسرائيلي الذي تتأكد حقائقُه في الوقائع المختارة هنا من أَخبار الأسبوعين الماضيين، نلحظ الانحطاط الشديد والرداءَة في مشهدٍ فلسطيني يبعث على الإشفاق.

ومن مستجداتِه عبقريةٌ تبارى في تظهيرِها محللون في الإعلام الفلسطيني الرسمي، لما قالوا إِنَّ زيارة أَمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، غزة، تُكرس الانقسام إِياه، فيما الانقسام المذكور يُكرِّسُه ويُعزِّزه المنقسمون أَنفسهم، ولا أَحدَ غيرهم، وهم الذين فشلوا في تنفيذ أُولى عتبات الوصول إِلى إِنهائه، وهي الانتخاباتُ التي كان فضيحةً بامتياز إِجراء البلدية المحلية منها في الضفة الغربية، ومنع إِجرائها في القطاع.

وفي غضونها، تنافس أَركانٌ في "فتح" و"حماس" في رمي الكلام الشائن عن بعضِهما، قبل أن يصل إِلى غزة الأميرُ الذي كان بديعاً منه قولُه أَمام مستمعيه من زعامات "حماس" إِنه من المستهجن استمرار الانقسام، فيما لا استراتيجية ظاهرةٌ للمقاومة، ولا أُفق لعملية السلام.

وهذه الحقيقةُ كافيةٌ وحدها، لو تيقن منها الطرفان، لأَن يُسرعا في اتجاه معجزةِ المصالحة بينهما، وإِنزالها على الواقع بدل مكوثِها في أَوراق اتفاقيات بتنا ضجرين من تذكِّرها، في القاهرة والدوحة.

ينشطُ بناءُ المستوطنات وتوسيعُها، في مقابل نشاط "حماس" و"فتح" في بناءِ جدران أَعلى من انعدام الثقة، والضحك على الذقون، حين تزعم الحركتان أَنَّ المصالحة خيار استراتيجيٌّ لديهما.

 يحدث هذا فيما تتوهم "حماس" أَنَّ إِطلاق صواريخ التنك إٍياها على أَراضٍ خاليةٍ من الإسرائيليين فعل مقاومة، ويُذكِّر بها حركةً مُقاومة، وتظنُّ الرئاسةُ الفلسطينيةُ أَنَّ الذهابَ إِلى الأمم المتحدة لاستجداءِ تسمية الدولة على أَرضٍ محتلةٍ فعل انتصارٍ دونه خرطُ القتاد. ... تُرى، أَيُّ أَدوات قياسٍ يمكنها تحديدُ المسافة الشاسعةِ بين المشهدين، الفلسطيني والإسرائيلي؟.

 

Email