جائزة سمر يزبك

ت + ت - الحجم الطبيعي

بغبطةٍ، نستقبلُ نيلَ الكاتبة السورية سمر يزبك (1970)، جائزة هارولد بنتر الأَدبية، والتي تحمل اسم المسرحي البريطاني الراحل، الفائز بـ"نوبل" للآداب، ومن مقتضياتها أَنَّ الفائز البريطاني بها يختار كاتباً شريكاً له فيها، من خارج بريطانيا، تم اضطهادُه أَو التضييقُ عليه، فيمنح جائزةَ الكاتب الشجاع.

وكان موفقاً تماماً أَنَّ الشاعرة كارول آن دافي اختارَت يزبك، احتفاءً، على الأغلب، بكتابها "تقاطع نيران.. من يوميات الانتفاضة السورية"، والذي استحقَّ انتباهاً عالمياً إِليه، بترجماتِه إِلى الإنجليزية والألمانية والإيطالية.

وهذه مناسبةٌ جديدةٌ لانتباه القراء العرب إليه، وقد صدر عن دار الآداب البيروتية، ولا تزيَّدَ في حسبانِه نصّاً استثنائياً في أَهميته، ليس فقط لسرديَّتِه الرائقة التي تُدوِّن فيها صاحبتُه يومياتٍ رهيفةً في الشهور الأولى للانتفاضة السورية، بل، أَيضاً، لمنسوبِ الحرارةِ الضافي في الشحنةِ الحاضرةِ فيه، البالغةِ الرفعةِ في إِنسانيَّتها.

لا شغلَ فيه بالسياسة، ولا للثرثرةِ عن الإقليميِّ والدوليِّ والتدخل الأَجنبي، لا شيء فيه غير أَنفاس سمر يزبك وهي تقاوم الخوف، وترى "الدماءَ لا تأتي إِلا بالدماء"، وتفكِّر في بيتِها بأَن تندسَّ "في نوم القتلة" لتسأَلهم أَسئلتها.

وكذلك، وهي تُشارك في مسيراتٍ ومظاهراتٍ، وتهزأُ من عيون المخبرين الذين يُراقبونها، وتلحظ قنّاصاً على هذا البيت وآخر على ذاك البيت، وتُحاورُ شباناً وشاباتٍ في لقاءاتٍ سرّية، للدفعِ بوتيرةِ الاحتجاج وغوث الناس، وهي في مركزٍ أَمنيٍّ ويصوِّبُ الضابطُ عليها تهمةَ خيانةِ طائفتها العلوية!

تتعرَّض سمر يزبك لضربٍ وإِهانةٍ في تحقيقاتٍ معها، وتُفكر في أَثناءِ واحدةٍ منها باستخدام سكينٍ صغيرةٍ تحتفظ بها.

ويستنكرُ أَهلها وناسُ بلدِها، جبلة في بانياس، ما تنشط فيه، ويشعرُ قارئ سطورِها عن استفظاعِ كثيرين منهم مماشاتِها، وهي العلوية، "المندسين" و"الإخوان المسلمين"، بقرفٍ مفزعٍ مما راكمه نظام آل الأسد من خرابٍ في الحالةِ السورية، لمّا بنى طبقاتٍ ثقيلةً من التربّص والتحسّب بين المكونين، السنّي والعلوي، في المجتمع، وهو الذي ظلَّ يزعمُ أَنه ينشدُ تحقيق الوحدة العربية.

ونقرأُ في الكتاب، شهاداتِ أَطباءَ وناشطين وصحفيين وشهود عيان، من حمص وحماة ودمشق وبانياس وغيرِها، تُضاعف معرفتنا بمقادير الفظاعة والقسوة حين ينشرُ النظام ميليشياتِه وشبّيحتَه بين الناس، فيستسهلُ هؤلاءِ إِطلاقَ الرصاص على الصدور العزلاء.

يُحدِّثُ ضابطٌ سوري الكاتبةَ عن إِطلاقِه النار على جسدِه، ليصيرَ في وسعِه أَنْ يفرَّ من تنفيذ أَوامر القتل إِياها. وإلى تفاصيلَ ومعايناتٍ أُخرى في الكتاب الثريِّ بحمولاتِه ومروياتِه، تُضيء سمر يزبك على "انتفاضةِ شعبٍ مقهورٍ يريدُ التحرر من ذله"، وتكتبُ أَنه "يجبُ كسر رواية النظام المجرم عن حقيقةِ هذه الثورة".

 ولأَنها ساهمت مساهمةً ثمينة في هذا، جاءَ التقدير العالميُّ لها ولكتابها، تعبيراً عن تضامنٍ إنساني وثقافيٍّ بالغ القيمةِ، مع تضحيات هذا الشعب الصامد، ومن هذا المنظور، نتأمل في جائزةِ "الكاتب الشجاع" البريطانية لها.

 

Email