تكتلاتٌ ورهاناتٌ مصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتكتل في مصر، منذ أَزيد من أسبوعين، أَحزابٌ وتشكيلاتٌ سياسية واجتماعية في أُطر جامعة لها، تأخذُ بالمشتركاتِ بينها، فصرنا أَمام تكتلٍ يضم الموصوفين بالليبراليين، وآخر يشمل الناصريين، وثالث يأتلف فيه القوميون، ورابعٌ يجتمع فيه اليسار والاشتراكيون.

ولا يملك مراقب المشهد المصري وصخبِه إِلا أَنْ يمتدحَ هذا التوجه، والذي يُراد منه معالجةَ أَمراض التشتت وعيوب انعدام التنسيقِ والتواصل الجدّي بين ممثلي هذه القوى وكياناتها، في مقابل براعةِ التيار الإسلامي في تدعيم صفوفه وإِيجاد قنوات اتصال متعددةٍ مع الجمهور العام، ما مكَّن أَصحاب هذا التيار ممثلين، أَساساً، بجماعة الإخوان المسلمين وذراعها حزب الحرية والعدالة، وكذا السلفيين ممثلين بحزب النور، من تحقيق نجاحاتهم في انتخابات مجلس الشعب، المنحلِّ تالياً، ومن إِنجاح محمد مرسي رئيسا للجمهورية.

وربما أَصاب أَديبٌ مصري في "دردشةٍ" مع كاتب هذه السطور، في القاهرة قبل أَيام، في قوله إِن تلك النجاحات ما كانت لتكون لولا "خيبتنا".

ويمكن الزعم أَنَّ النزوع الراهن لدى التمثيلات والأحزاب والتشكيلات غير الإسلامية إِلى التنسيق بينها، والتوفيق بين برامجها ورؤاها، يعودُ، في جانب جوهريٍّ منه، إِلى إِحساسٍ عميقٍ لديها بوجوب أَنْ لا تتكرَّر تلك "الخيبة"، سيما وأَنَّ استحقاق انتخاب برلمان جديدٍ يقترب، بعد استفتاءٍ على دستور قيد الصياغة، في غضون شهور.

لا تبدو تلك التكتلات استراتيجيةً، وإِن قال الناطقون باسمها غير ذلك، والمعوَّلُ أن لا تحطمها نرجسياتٌ وحساسياتٌ شخصية وحساباتٌ مرتجلة ونزاعاتٌ آنية، ومأمولٌ أَنْ تتخفَّف حمولاتُها مما فيها من أَحزابٍ غير متحققة الوجود، ولا قوةَ وازنةً لها.

وإِذا ما تحقق هذان الرهانان، ومضى الحوار عميقاً بين عمرو موسى وحمدين صباحي، باعتبارهما الاسمين الأَبرزين في هذه التحالفات، وإِذا ما قُيّض تعاون التكتلين اللذين يُعبران عنهما مع حزب الدستور الناشئ، برئاسة محمد البرادعي، وأَخذ هذا التعاون إِطارا تنسيقياً ظاهراً، فإن المراقب يمكنه أَنْ يحدسَ بأَنَّ الحياة السياسية المصرية بدأَت تأخذ مساراً حيوياً، تتلاقى فيه الطموحات والبرامج والرؤى الواعدة، في تنافسٍ موضوعيٍّ بين خطاباتٍ ذات مضامين دالة، وليس بين شعاراتٍ ومكايداتٍ سياسية.

أَمام مثل هذه الفرصة إِمكاناتُ النجاح، إِذا التفتت إِلى الجوهريِّ في أَيِّ عمل حزبيٍّ طموح، وهو حسن التواصل مع الجمهور، وعدم الاكتفاء بالتجمعاتِ النخبويةِ في العاصمة والمدن الكبرى، وعدم الاستسلام لغواية الفضائيات.

 ومؤكدٌ أَنَّ قدرة الإخوان المسلمين ومناصريهم، ومن على ضفافهم، مكينةٌ في هذا الأمر، من حيث التواجد في الأرياف والقرى والنجوع والهوامش، بل والنيابة عن الدولةِ في تقديم خدماتٍ ليست هيِّنةً للمصريين في هذه المطارح، حين يُنظرُ إِليهم على أَنهم مخزون تصويتي هائل في المواسم الانتخابية. تُرى، هل في وسع التيارات المتكتلة المستجدة، أَنْ تقيمَ جسوراً من الحضور بين هذه الجموع، بكيفياتٍ أُخرى، تقعُ على أَشواقهم وعلى مغالبتِهم متاعبَ وأحوالاً صعبةً عصيةً على العدّ؟

Email