حكومات تخذل مواطنيها

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرض عشرات الألوف من المواطنين العاديين في دول الشرق الأوسط على مدى عقود عديدة، للمعاملة الوحشية والاعتقال والتعذيب والقتل، قبل أن يضرم محمد البوعزيزي، النار في نفسه في تونس، مشعلا فتيل الربيع العربي. وقد دفعه إلى ذلك تعرضه لإهانتين، حيث قامت مفتشة بلدية بمصادرة فاكهته، وصفعه على الوجه.

وأحدث مماته صدى لم تحدثه أي من الإساءات السابقة، والسبب هو أن المواطنين العاديين في الشرق الأوسط يريدون، أكثر من أي شيء آخر، الكرامة والمزيد من الازدهار، وربما المزيد من الحرية. والآن، تدل ظاهرة معاداة الولايات المتحدة التي تجتاح الشرق الأوسط، على أن الحكومات الجديدة.

وتلك الأقدم التي عوقبت، لا تزال تخذل مواطنيها. وقد وجد استطلاع أجرته مؤسسة غالوب ونشرته في يوليو الماضي، أن الغالبية الساحقة من المصريين يريدون من حكومتهم الجديدة، أن تركز على الاقتصاد وفرص العمل. وقال 95٪ من المصريين الذين شملهم الاستطلاع، إن مصدر قلقهم الرئيسي هو ارتفاع تكلفة الطعام، فيما اشتكى 88 ٪ من صعوبة العثور على عمل. وكانت نتائج الاستطلاع متماثلة بين المصريين العلمانيين والإسلاميين، على حد سواء. ومنذ ذلك الحين، ارتفع معدل البطالة في البلاد إلى ما يقارب 13٪.

وفي تونس، يقف معدل البطالة عند ما يزيد قليلا على 18 ٪، أي أكثر بـ50 ٪ مما كان عليه قبل الثورة التي أطلقها البوعزيزي في ديسمبر 2010. وأحد الأسباب في ذلك، هو أن السياحة تراجعت. وفي الصيف الجاري، قدم وزير المالية التونسي استقالته غاضبا، لأن الحكومة أمرته بدفع تعويض مالي كبير لـ20000 سجين سياسي سابق، جميعهم متشددون تقريبا، كان النظام المخلوع قد سجنهم. وحذر الوزير المستقيل من أن "كبر عدد المستفيدين ومبلغ التعويض" سوف "يؤدي إلى تكبيد ميزانية الدولة نفقات باهظة للغاية".. ومن جديد، تبدو الحكومة وكأنها لا تفعل شيئا بشأن الاقتصاد.

وفي ليبيا، تشير التقديرات إلى أن معدل البطالة يفوق 20 ٪، ويقترب من 50 ٪ بين الشباب. ولا تزال هذه المشكلة تعد أكبر مشكلات الشرق الأوسط، فملايين الشباب يجلسون بلا عمل أو أمل، فيما تناقش حكوماتهم العقيدة الدينية بدلا من مساعدتهم.

ويبلغ متوسط العمر في كل من مصر وليبيا 25 عاما، وهذا يعني أن أعمار نصف السكان تساوي ذلك أو تقل عنه قليلا. أما في تونس، فمتوسط العمر هو 30 عاما. وهؤلاء الأشخاص، ومعظمهم من العاطلين عن العمل، هم الذين نظموا ثورات الربيع العربي في العام الماضي، وهم الذين يهاجمون السفارات الأميركية في مصر وغيرها من الدول.

من يستطيع لومهم لشعورهم بالغضب؟ لقد ثاروا، ولكن حياتهم لم تتحسن. وفي الواقع، فإن وضع التوظيف في معظم الدول العربية يزداد سوءا، فيما يتجادل القادة حول لباس المرأة والسماح بتعدد الزوجات.

إنني لا أحاول تبرير مهاجمة هؤلاء الأشخاص للسفارات وقتلهم للمسؤولين الأميركيين، فهذا أمر لا يمكن تبريره. ولكن ما أود قوله، هو أن حكوماتهم المهتمة بمصالحها، والعازمة على المبالغة الدينية بدلا من تحسين الرعاية الاجتماعية، تتحمل الشق الأكبر من المسؤولية.

Email