مانجا.. ومساءاتٌ قاهرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان شربُ عصير المانجا، الثقيل الطيِّب والرائق، من مباهج كاتب هذه السطور في زيارتِه القاهرة، الأسبوع الماضي، ولم يأتِ إِلى باله أَنَّ المانجا ستكون ما إِن يغادر موضوعَ تندّر المصريين، وهم الأَبرعُ بين أَترابهم العرب في إِبداع النكات، بعد أَن جاء الرئيس محمد مرسي، في حديثٍ تلفزيوني، في معرضِ إِحالته إِلى إِنجازات تحققت في أَقل من ثلاثةِ شهور على بدءِ رئاسته، على انخفاض أَسعار هذه الفاكهة البديعة.

ووجد مصريون كثيرون هذا الأَمر مدعاةً للقول إِن ثورة 25 يناير، لو كانت من أَجل المانجا لانتخبوا فاكهانياً رئيساً.

ومثَّل فيضُ النكاتِ والتعليقاتِ في الشارع المصري، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، على تنويه مرسي بانخفاض أَسعار المانجا، باعتبارِه منجزاً اقتصادياً، تظهيراً لحالةٍ غير خافيةٍ من عدم الرضى الشعبي على أَوضاعٍ غير قليلة، وهو ما يلحظه زائر القاهرة في هذه الأيام، سيّما جرّاء الغلاء المتزايد وارتفاع الأسعار، الذي كان طريفاً أَنْ يُصرّح وزير المالية المصري، ممتاز السعيد، إِنه من سنن الحياة.

ومعلوم أَنه فيما تنشغل النخب المصرية بمقولة مدنية الدولة، فإن عامة المصريين منشغلون في أَحوالهم المعيشية، باعتبار تحسُّنها التحدي الأهم، وما يرونَه منجزاً واجباً من نواتج الثورة التي قاموا بها، والتي يقولون إِنهم لم يُشعلوها من أَجل أَن "يتمكَّن" الإخوان المسلمون في الدولة ومؤسساتها وأَجهزتها، بل من أَجل أَنْ تتقدَّم الأحوال العامة، ويخرج الاقتصادُ من تأزماته المعلومة، وتنهض التنميةُ في أطراف البلاد وهوامشها ومراكزها، وتُحلّ مشكلات البطالة والاختناقات المرورية والنظافة والطاقة، ولكي ينحسرَ الفساد الذي "وعد" مرسي، في حديثِه التلفزيوني، بقضاءٍ "تدريجيٍّ" عليه.

بديهيٌّ أَنَّ انخفاض أَسعار المانجا ليس طموح عموم المصريين الأول، ولا مرادَهم الأَهم من رئيسِهم وحكومته، وليس الشأن الأكثر إِلحاحاً لديهم، فثمة قضايا لا عدَّ لها، بعضُها عويصٌ، يستعجلون حلولاً حاسمةً لها.

وإِذ يلحظون تباطؤاً في "إِبداع" هذه الحلول، وإذ تُعاينُ نخبٌ مثقفةٌ عريضةٌ بينهم، من أَهل الإعلام والثقافة والكتابة والفنون، ما يعتبرونَه أَداءً حكومياً ورئاسيا متواضعاً في تحقيق مشروع النهضة الذي بشَّر به حزب الحرية والعدالة المصريين، فإِن من الميسور لزائر القاهرة، والمتجول في مساءاتِها، أَنْ يقعَ على شعورٍ واسعٍ بالإحباط، وبقلة الاكتراث، وعلى شكوكٍ فيما إِذا كانت تفاهماتٌ غير معلومة، مع أَميركا وغيرها، يسَّرت خلع حسني مبارك والمجيء بمحمد مرسي رئيساً.

كانت مساءاتٍ وادعةً، أَتاحت بعضَ التأمل في مشهدٍ مصري صاخبٍ في جدالاتٍ عن دستور مرتقب، و"شعبية" للإخوان المسلمين تتآكل، و"أخونة" غائبة عن الشارع يتوهّمها كتابٌ ومعلقون أشبه بالمستشرقين، وفي الأثناء، ثمَّة اعتصاماتٌ واحتجاجاتٌ وتظاهراتٌ لا قدرة لزائرٍ عابرٍ على عدِّها، وهو يطالع عنها في جرائدَ الطخُّ فيها على "الإخوان" وفير، فيؤثرُ على ذلك متعة شرب عصير المانجا بإفراط، من دون التفاتٍ إِلى سعرِها، الذي يزهو الرئيس بانخفاضه.

 

Email