بطة واشنطن المُقعدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما مهتم جداً بإعادة انتخابه، إلى درجة تردده في اتخاذ قرارات حاسمة خوفاً من وقوعه في الخطأ. استخدام روسيا «الفيتو» ثلاث مرات لتعطيل قرارات أممية بشأن سوريا، تطور خطير لم يسبق أن حدث في تاريخ العلاقات الدولية، حتى في زمن الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة.

وقد لا يكون ظهور موسكو على مسرح الاستعراضات الدولية، مرده في واقع الأمر استفاقة الدب الروسي من سباته، كما يحكى، بقدر ما هو منسوب فعلياً إلى ضعف الإدارة الأميركية الحالية، التي تسير على هدى أسلافها من الرؤساء الأميركيين المنضوين تحت لواء الحزب الديمقراطي، في عزل البيت الأبيض عن الملفات الساخنة بدعوى عدم التورط في حروب خارجية.

والظاهر أيضاً أن خيار أوباما المتمثل في القيادة من الخلف، كما حصل في ليبيا، والنفور من الزج بالولايات المتحدة في الأحداث الملحة في غير مكانٍ في العالم، هو سبب الوضع المتردي في سوريا اليوم، لأن المعضلة الكبرى تكمن في عدم إيمان هذه الإدارة بحقيقة أن على الولايات المتحدة واجب التدخل، ليس لأن ذلك خيار، بل لأنه ضرورة أخلاقية فرضتها قيادتها للعالم.

ما نراه في واشنطن اليوم من تردد سياسي، ليس إلا حصيلة حملات الابتزاز التي جيّش لها الإعلام اليساري في الداخل الأميركي ودول أوروبا الغربية إبان ولايتي الرئيس السابق جورج بوش، ممزوجا بعقيدة الديمقراطيين الانكفائية.

فاستلم أوباما، المشبع بدوره بأفكار اليسار الأقلوي، الحكم وهو عاقد العزم على تدمير إرث سلفه، لكي يضمن إعادة انتخابه ويشتري صمت ذلك التيار والأقليات المتضامنة معه من سود و«هيسبانيك» ومسلمين، فيما يشبه نوعاً جديداً من «الخضوع» لتياراتٍ سياسية معينة، بدلاً من التماهي معها، أو توجيهها، كما يفعل الرؤساء الأميركيون عادةً.

ومع أن الرئيس الأميركي يحاول استغلال عملية قتل أسامة بن لادن لتصوير نفسه على أنه قائد صلب العزيمة، إلا أن ما رشح أخيراً من تقارير عن أن وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون هي من أقنعته بالمضي قدماً في الهجوم، يؤكد حقيقة الاتهامات الموجهة إليه بالتخاذل، رغم أن تسريبات تدخل كلينتون قد لا تعدو بدورها تبييضاً مفضوحاً لصورتها، تمهيداً لتقديمها كنائب للرئيس في ولاية أوباما الثانية.

ويقيناً أن سيد البيت الأبيض، صاحب الصورة المشهورة في ديسمبر 2009 حينما كان يتناول المثلجات بشراهة على شواطئ هاواي خلال عطلته، بينما كادت طائرة أميركية تتناثر فوق المحيط الأطلسي بفعل إرهابي نيجيري، ليس سبب المشكلة وحده.

فالإدارة واهنة بأركانها الأربعة: نائب الرئيس جو بايدن، شبه المختفي عن النشاطات، ورئيسة الدبلوماسية، التي يخال المرء أن رحلاتها الخارجية المكثفة كانت لمجرد التبضع، ومستشار الأمن القومي توم دونيلون، بخبرته الهزيلة حتى إن أحداً لا يكاد يتذكر اسمه في أروقة صنع القرار الدولي، فضلاً عن وزير الدفاع ليون بانيتا بطل استراتيجية الانسحاب من مناطق النفوذ وتركها للخصوم.

وعليه، فإن الإدارة الأميركية تحولت إلى «بطة مقعدة»، وليست «عرجاء» فقط، وهي لم تكمل بعد ولايتها الأولى. وما على أحرار العالم، والحال كذلك، إلا أن يصلّوا لمعجزة في نوفمبر أو ينتظروا حتى 2016 .

Email